في سنواتي الأولى في الكلية كنت أحب أن أتوسط القاعة في الامتحانات . ذلك المكان يجعلني أتلقى ورقة الامتحان في منتصف الوقت بالضبط. أراقب هدأة اللواتي وصلتهن الورقة . و ضجة اللواتي ينتظرنها برهبة !
ذلك المكان أتواصل فيه مع زميلاتي أكثر ! أحتفظ بابتسامة لكل من تلـتقي بعيني نظراتها . أطمئنها و أطمئن نفسي أيضاً . أدعو لهن و لي بالتوفيق. أتخيل كيف أننا سنهنئ بعضنا بعد الامتحان.. أتأكد من أن الجميع مستقر و الأمن مستتب و أبدأ آخر واحدة تقريباً .
أرتب مكاني و أنظف طاولتي , أحدد قلمي الرصاص و أعلق قلمي البنفسجي على ياقتي .. أتخذ جلسة الامتحان الغريبة ذات السحر العجيب و أبدأ !
أخرج مبكراً . . لأن الدقائق المتبقية تعني فنجاناً من مشروبي المفضل في أعلى طابق في المبنى تحت أشعة الشمس الذهبية و رائحة أبها البهية !
هذا الخروج المبكر لفت انتباه مجموعة من الطالبات.. رتبن لي “خطة تأخير” ..عرفن أن الصمت و الهدوء هما وقود سرعتي ..
أول يوم في الامتحانات النهائية كان أشبه بالمهرجان . تحلّقـن حولي من كافة الجهات .. و بدأت احتفالاتهن ! همزات و لمزات و براشيم غش يترامينها من فوق رأسي, همسات بأرقام و حروف و بعض القُـبَل اللاسلكية كإشارة شكر لبعضهن !! و كلما لاحظت دكتورة حركاتهن الزائدة .. صرخن كنوع من التشتيت.. دكتورة ممكن سؤال؟؟ دكتورة ترجمي لي هذه الكلمة.. دكتورة عطشانة !! دكتورة بردانة !! .. دكتورة كم الساعة ..؟؟
ذكرتني خطتهن بقبضة فريق الخمائل الخماسية في كرتون الرمية الملتهبة
هههههههههههه
😀 😀 😀
أشرت بيدي أن اصمتوا رجاءً و لم أحاول تضليل المُراقِبة قبل أن أفعل. فحصلت على نظرة عتاب محترمة .. قرَّبت إحداهن ورقة أسئلتها مني و استخدمت لغة الصم و البكم في التوسل إلي لكي أذكرها بالإجابة . و قبل أن أفهم ما تقصد كنت أشير إليها بممحاتي و بمناديلي هل هذا ما تريدينه ؟ و أخيراً رفعت صوتها سايلنت سي و لا بي ؟؟ في ظل تلك الفوضى ضاق صبر إحدى المراقبات التي لم تسمع إلا اسمي فأمسكت بذراعي بغضب شديد و قالت.. تغشين أمامي ؟؟ و بدأت تهدد بأن تأخذ ورقتي.. رفعتُ يدها عن ذراعي ثم قلت لها بكل حزم : دكتورة أنا… الحمد لله ما أغش أبداً.. و رمقتهن بنظرة تهديد و تأكدت أن تفهم المراقبة ما أعني قبل أن أكمل حل الأسئلة. انتبهت دكتورة تدرسنا إحدى المواد .. تعرف جيداً أنهن صديقات حميمات و لا علاقة لي بهن و أن آخر خطيئة سأفعلها في حياتي أن أشارك في حفلة غش ! انتهت الحفـلة , و صمت الجميع
لم يتبقَ إلا أقل من نصف ساعة على نهاية الامتحان.
أشعر بالصداع فعلاً .. اختفت ابتسامتي .. لكن ظهرت ابتساماتهن و نظرات تقول نجحنا!! نجحت خطتنا!!
بعد ذلك الامتحان بدأ الجزء الثاني من الخطة . سايلنت . كيف امتحانك اليوم ؟ أكيد حلو ما ينخاف عليك ! تعالي تغدي معنا .. لكن رأس الأفعى لم تلبس قناع اللُّطف ذاك . لم تتحمل التأخير فاجأتني بطلب لا خيارات معه .. أن أصبح عضوة في فريق الغش خاصتهم ! و شبيك لبيك أنا و أهلي و صديقاتي بين إيديك !
لا أدري أين طار هدوئي وقتها .. لم أصدق ما سمعت . كأنها صوبت نحو ضميري بندقية و وضعت يدي على الزناد ! هل أقتل نزاهتي ؟ أمانتي نحو مرضاي في المستقبل ؟ احترامي لنفسي ؟ لماذا بعد كل هذه السنين أرضى بنجاح عَـفِـن! كيف ؟ لا شيء أحتاجه هكذا .
تمالكت نفسي و قلت لها شكراً لا أحتاج مساعدة . الحمد لله ذاكرت . تظاهرت أني فهمت طلبها بالعكس. أنهم يقدمون خدماتهم لي بدون مقابل مني. ثارت مرة أخرى و قالت : نعرف!! واضح من درجاتك!! ما توقعناك بخيلة ! مساعدة عادية كلنا نساعد بعضنا و إذا احتجتي في يوم من الأيام و الله لن نبخل عليك .. هاكِ طريقتنا .. فلانة تذاكر الفصل الأول و فلانة تذاكر الفصل الثاني و جزء من الثالث و أنا أحفظ الصور و فلانة …… الخ انتِ ذاكري كل الفصول لن نقيدك و ستكونين مرجعنا .. امتحان بعد الغد اجلسي معنا و نعدك بالهدوء الذي تحبين, نعرف أنك ترتاحين و لتتصفحي موسوعتك بشكل أفضل ها ها ها ها ها !!
عرفت وقتها أن لا خيار لدي .. إن لم أصبح معهن فأنا ضدهن تلقائياً . دقت ساعة الامتحان الثاني , دخلت متأخرة, بعد أن أخذوا أماكنهم بعيداً . لكنهم مباشرة غيروا مقاعدهم في القبضة الخماسية التي أصبحت أعرفها 🙂 .. و بدأت ابتسامات الرضا و رمقات السيطرة !
أخذ الجميع أماكنهم و قبل توزيع أوراق الامتحان وقـفـتُ .. دكتورة ممكن أغير مكاني ؟ المكيف على رأسي مباشرة لا أحتمل . و ياللهول تلك النظرة أطلقت شرراً. لا أدري كيف لم تخنقني حينها العملاقة المخيفة رأس الأفعى .
تجاوزت كراسي كثيرة و اخترت أبعدها , تحت أشعة الشمس التي تنعشني . و في كل امتحان كنت أختار المكان البعيد لتصلني ورقة الامتحان آخراً . جاءت معلمتي المفضلة التي شهدت المهرجان الأول . ابتسمت لي و قالت :
في الركن البعيد الهادي !
من ذلك المكان اكتشفت مدى زيف الانتماء الذي كنت أشعر به. كانت مجموعات الغش أكثر من مجموعة العملاقة المخيفة .
تعرفت في ذلك المكان على الصديقات النزيهات اللاتي شاركت معهن الضحك على مجموعات الغش و حوادث القبض عليهن متلبسات. كتاب المادة تحت معطف شتوي! يا إلهي لماذا لم تستثمر تلك الجرأة في قراءة الكتاب طوال السنة؟. .
{يَستَخفون من الناس و لا يستَخْفون من الله و هو معهم}
كان في تلك الضحكات “حُزن” أخفيه على حالهن. لماذا اخترن هذا الطريق؟
ظاهرة الغش أكثر انتشاراً مما كنت أظن و لأخفف على نفسي رحت ألتمس لهن العذر .. لكن لا عذر !!
الاشتراك في المنكر يخفف الاحساس بالذنب ..و لهذا مجموعات الغش أكثر من الغشاشات الفرادى. عزمت أن أنصحهن كل على حدة لأن النصح بين الناس تقريع لكن الأمر أشد وضوحاً مما اعتقدت
{ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه}
! الحسد يمنعه قَبول النصيحة ..و النصيحة مرتـان
و حتى يفتنوا أخريات أعطوا الغِش أسماء أقل دناءة .. “مساعدة” ! “تعاون”, “صدقة” ,”وفاء” و غيرها. باعوا أمانتهن بلذة الدرجة العالية و الفوز السريع. يمسكن ببعضهن من الذراع التي تؤلم ! فالتي تعلن انسحابها من تلك الحفلة , تكون قد ربطت حبل مشنقتها بيدها.. أنواع العِداء و تشويه السمعة تنتظرها !
والله كأنك اطلعتي على مافي قلبي وكتبتيه 😦
فيني قهر لا يعلمه إلا الله لما عرفت بوجود هذي النماذج..
كنت أقول الغش موجود وكثير اللي يغشون بس إلا الطب مستحيل ألاقي غشاشين.. عالأقل مو بهالشيوع!!
شي مؤلم جداً..
أنا واجهت مواقف شبيهة لموقفك دكتورتنا، بس شي خفيف جداً مو بهالشكل الفظيع!!
أنا كمان عندي (ركن بعيد وهادئ) باستئناء إنه في الصف الأول بدلاً من الأخير، بحيث مافي شي أمامي غير الجدار..
بعيد عن الإزعاج ورؤية المناظر اللي تقهرني وتحزنني وتسبب لي الشتات =)
Pingback: !!لهذا السبب تغيظك أسئلة الامتحان | مُـدوَنَــة أَطِـبَّـاءُ الـمَـجْـد
Pingback: !!لهذا السبب تغيضك أسئلة الامتحان | مُـدوَنَــة أَطِـبَّـاءُ الـمَـجْـد
Pingback: عقدة مقارنة نفسك بالآخرين | مُـدوَنَــة أَطِـبَّـاءُ الـمَـجْـد
Pingback: هذا ما حصل عندما نافسوني ! | ’Medic Of Glory
مت ضحك على وصف القبضة الخماسية ههههههههههههه ، الله يهدي كل الغشاشين
و لا يبتلينا يارب
الله يسعدك ، مدونة من ذهب💗
LikeLike
شكلك متابعة الكرتون ههههههه
آميـن يا رب . نورتي 🙂
LikeLike
والله كأنك اطلعتي على مافي قلبي وكتبتيه 😦
فيني قهر لا يعلمه إلا الله لما عرفت بوجود هذي النماذج..
كنت أقول الغش موجود وكثير اللي يغشون بس إلا الطب مستحيل ألاقي غشاشين.. عالأقل مو بهالشيوع!!
شي مؤلم جداً..
أنا واجهت مواقف شبيهة لموقفك دكتورتنا، بس شي خفيف جداً مو بهالشكل الفظيع!!
أنا كمان عندي (ركن بعيد وهادئ) باستئناء إنه في الصف الأول بدلاً من الأخير، بحيث مافي شي أمامي غير الجدار..
بعيد عن الإزعاج ورؤية المناظر اللي تقهرني وتحزنني وتسبب لي الشتات =)
LikeLike
سلامة قلبك عزيزتـي .. الدنيا ليس فيها مستحيل في الخير و الشر !
الحمد لله أنه أول و آخر موقف من هذا النوع و من هذه الفئة .. لأنهم لم يسكتوا
و إذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار في جزل الغضا
ما كان يعرف طيب ريح العود
LikeLike
اجمل استراحة لي بعد المذاكرة ، الله لا حرمنا بس 😦
LikeLike
أتمنى لك التوفيق . نورتي
🙂
LikeLike