هل أرضى بتخصصي الجامعي و أترك أحلامي؟

فيما يلي رسالة وردتني عن طريق إيميل المدونة من مُتابعة عزيزة سردت حديث النفس عن اختيار التخصص الجامعي، هذا القرار المهم و المصيري في حياة كل شخص يحمل أحلاماً كبيرة. استأذنتها في نشر رسالتها ليس لأفحمكم بردي و لكن حتى تستشعروا حيرتها و لا تشعروا بالوحدة. الكثير منا يمر بهذه المشاعر و الأفكار في ظل غياب المرشد و التجارب الحياتية التي تساعد على اتخاذ القرارات المهمة.

رسالة المُتابعة:

السلام عليكم دكتورة سايلنت، اتمنى تكوني بخير

انا طالبة تغذية علاجية  وانهيت سنتي الاولى وقدً قرأت مدونتك ممكن الآف المرات بسبب اسلوبك المميز والمشوق فشكرا لك ❤️ واعتذر مقدما على ثرثرتي واشغال وقتك الضيق بكلام عشوائي.

رغم ان قصتي بدأت منذ ان وعيت على حقيقة الدنيا ،فإني سأختصرها بما له علاقة بالموضوع:

دخلت التخصص عن رغبتي مع انه كان لدي الامكانية للتخصص في الطب ولكن ما القيت له بال، وطبعا راودتني شكوكي في استمراري في التخصص والتفكير في تخصصات عديدة كالتصميم والاعمال والحاسب وما الى ذلك  وفجأة على الترم الثاني بدأت تراودني هواجس التخصص في الطب ، طبعا انا ما حطيت الطب من اولوياتي بسبب طول زمن الدراسة وانه ما يصب في وحدة من اهتماماتي “العلاج بالتغذية” لانه موضوع سار شاغلني في الفترة الاخيرة في حياتي وكيف ان الغذاء يقدر يحل مشاكل كثيرة، وهذه الهواجس بدأت تنغص على حياتي ، وبدأ توتر وجوب انتهاز فرصتي في التحويل الى التخصص حيث انه بعد اول سنة يمكنني التحويل وفقط بعد سنة اي مافي امكانية بعدها للتحويل . وفرصة التحويل ربما تنتهي خلال هذا الاسبوع قبل الدراسة حيث انني اجلت الامر الى ان انتهى التسجيل الرسمي ولكنني ربما اقدر على التحويل؟

 اولا اتتني هذه الهواجس بعد ما كنت اشاهد صديقاتي وهم في التخصص، وانا ابدا لا احمل اي مشاعر كره او حقد او غيرة ولكن ربما واجهني شعور خيبة الامل في نفسي والاحباط وبعض الغيرة؟  (انا فقط اتوقع لان الشعور لا يمكنني تفسيره) مع انها ليست من شيمي وانا اعرف انني اخترت تخصصي وانه مهم رغم عدم اعطاءه تلك الاهمية ، ولكن ما زالت هذه الهواجس تطاردني فأصبحت اتردد على كثير من الاشخاص والاساتذة آخذ رأيهم وتجاربهم وايضا اسأل الطلبة وطبعا قوقل عن ماهية حياة الطب وكيف يشعر الناس فيه واصبحت ملمة في الامر، ناهيك عن اعادة اتخاذ اختبارات تحديد الشخصية والمستقبل المهني (التي حددت انني شخصية ابداعية ولا مجال لي في العلوم) ،فأستطيع ان اقول انني غطيت كل الجوانب.

فلأتحدث عن نفسي قليلا ، شخصية جدا فضولية تحليلة وابداعية ومجدة في العمل  وتحب التعلم وتجربة اشياء جديدة وانا بطبعي انسانة لا احب ان احصر نفسي في شيء واصلا فكرة “التخصص في شيء واحد فقط” طوال حياتي تؤرقني وتجعلني أؤمن ان بشر هذا العصر يقللون من قدراتهم ويحدونها، فما الذي يمنعنا ان نكون مثل دافنشي مثلا؟ ولكنه طبعا يجدون هذا خللا وامرا غير مقبول، فاختيار التخصص بالنسبة لي معضلة مستعصية كأنك تقول لي “ هيا حدد مصير عدد كبير من سنوات حياتك في عمر لم تجرب فيه اي شي من خبرات الحياة ” وعلى طبيعة الحال جلست افكر فيما احب ومنها اشياء لا تعد ولا تحصى مثل الفن وعلم النفس والابتكار والامراض والعلوم الخ ولكنني اخترت التغذية لإيماني بهذه الفكرة ، و اعرف مسبقا حدودية هذا التخصص خصوصا حول فكرة “العلاج بالغذاء” وانه يتطلب سنينا لتغيير بعض الافكار الموجودة التي تردد دائما وكنت اريد ان اكون من يحدث احدى هذه التغييرات في المجال بطريقة علمية حديثة، ولكن هذه الهواجس! لن انكر ان الطب بدأ يجذبني خصوصا انني شخص مطلع جدا واحب ان اتعرف على الامراض واتابع المسلسلات الطبية بعيدا عن كونها دقيقة ام لا وكنت اشاهد البرامج الوثائقية عن الامراض منذ ان كنت طفلة! فهل هذا يبرر تحويلي الى تخصص الطب؟ مع اني اعرف انني ربما لن اقوى نفسيا على الخوض في هذه الرحلة الطويلة حيث انني احس انني اريد ان اترك لنفسي المجال لاكتشاف نفسي وحياتي ووضع نفسي في مجالات مختلفة لأُخرج ما عندي من افكار وطاقة ولتجربة الحياة ككل ، وهو امر ليس باليسير اذا تخصصت الطب، ايضا الضغط النفسي و كيف انني اصلا لا اعرف اذا ما كنت ارغبه بالفعل او انني انجذبت اليه بسبب البرستيج او الهالة المتعارفة حول دارسين الطب؟؟! مع انه ايضا ليس من شيمي ولكنها جزء من هواجسي ودوافعي الحالية المستغرب منها التي احاول جاهدة لتفسيرها .

انا صدقًا لست متأكدة من اي شيء في حياتي ، فالتغذية العلاجية ليست بالمجال الذي اتمنى وجوده ولكنه خطوة اولية اذا كانت لدي العزيمة للتسلّح بما تعلمته والتوسع به الى ما اطمح اليه (اذا كان هو طموحي بالفعل) فالوظيفة الاكلينيكية او الابحاث ربما مجالي مع اني شخصية تشعر بالخوف من فكرة ساعات الدوام الرسمي والعمل المكتبي الكئيب كما يعرض في الافلام الامريكية ، فلا اعلم اذا كان اصلا هو وجهتي ولكنني على اساس انني قررت ذلك، واعلم ان لدي جانب ابداعي كبير وهذا شيء متعارف عليه عني ولكنني قررت استغلال دراستي في شيء علمي طالما انني ايضا مهتمة في هذا الجانب، وتخصيص اوقات فراغي للجانب الابداعي ، اما الطب فهو بحر واسع من العلم والمعرفة والتجارب التي لن احظى بها في اي تخصص آخر، وان اكون مسؤولة واقوم بالكثير من الاعمال بدل من عمل او اثنين امر مغري لي ايضا، فقد فكرت في الجراحة وطب الطوارئ لانني احب عمل اليد وربما ايضا التخصص في طب الاسرة وثم دراسة الماجستير في التغذية اذا تحتم الامر وتبين لي ان التغذية ما زالت لي، ولكنني اقول لنفسي لماذا اقوم بفعل جحا واتخذ هذا الطريق الطويل الموعر واصل الى نفس المكان وربما الفرق لن يكون كبيرا اذا ما درست التغذية؟! فاذا انا اردت التغذية بالفعل فلما لا ادرسها؟ ولكن مازال هناك صوت غير منطقي يناديني الى الطب، ربما هو صوت يريدني ان استغل الفرصة الذهبية حتى ولو لم تكن لي؟

ربما استشارتي هذه غير مجدية وقد وجدت كل اجابة اتتني سطحية، فكيفك اتوقع غيرها عندما يتحتم الامر علي وعلى شخصيتي ورغبتي وانا حقًا لا اعرفها !

انما استشارتي هذه هي استنجاد اخير لانقاذ ما تبقى مني من عقل وربما ايجاد الرد الشافي والذي من الممكن ان ينقذ جوانبي الاخرى من شخصيتي التي تريد فقط حريتها في فعل ما تريد وترى ان الطب ربما سيكون فرصة ، ولكن المسمار الذي سيدق في عنق نهايتها.

فهل ارضى بما هو لدي وابقي تخيلاتي الجامحة في ما يمكنني فعله بعد دراستي من اكتشاف للحياة وابعد الوساوس التي تقول ان تخصص التغذية لن يشبع رغبتي في ترك بصمة في حياة الناس او ربما لن استطيع تحقيق طموحي فيه وانني سأبقى عالقة في نفس الدوامة المتكررة فيه والعمل الروتيني الممل؟ 

او ان احول للطب واستسلم لخياري الغير منطقي والمخاطر والذي سيأخذ جزءا كبيرا من حياتي  بناء على رغبة  ومستقبل غير معروف وربما ضغط اجتماعي أثر بي؟

وشكرا جزيلا❤️

رد د. سايلنت:

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته. الحمد لله أنا بأحسن حال أتمنى أن تكوني كذلك. 

أعتذر على تأخري في الرد فلدي مئات الرسائل كهذه التي تعني لي الكثير و أحاول أن أرد عليها جميعاً.. 

كلامك جميل و فضفضتك عميقة. أقتبس هذه الكلمات : ( هل ارضى بما هو لدي وابقي تخيلاتي الجامحة في ما يمكنني فعله بعد دراستي من اكتشاف للحياة وابعد الوساوس التي تقول ان تخصص التغذية لن يشبع رغبتي في ترك بصمة في حياة الناس او ربما لن استطيع تحقيق طموحي فيه وانني سأبقى عالقة في نفس الدوامة المتكررة فيه والعمل الروتيني الممل؟ ). من قال أنك لا تستطيعين ترك بصمة في حياة الناس في هذا التخصص؟؟ توفي أمام عيني مريض يعاني من

\short gut syndrome

بعد أن قص له الجراحون ثلثي أمعائه بنجاح و بقيت معضلة التغذية التي لم يجد لها العلم حلاً حتى الآن! و أتمنى أن تجدي لها حلاً و تغيري تاريخ الطب في هذا الجانب. في كل علم لا يزال الكثير من الغموض و كثير من الفرص للتقدم و النجاح تكفي الجميع. الفاصل هو الهمة و الفعل..أتمنى لك التوفيق. 

اكــتـب تـعـلـيـقـك أو سـؤالـك هـنـا

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.