البضاعة السوداء .. السوق السوداء الليالي الكحلية .. كلها مصطلحات تسبب الذعر و أحيانا “النشوة” لدى بعض طلبة الطب الذين يعرفون ما أقصده تماماً.
الأوراق و الملخصات التي تزيد من صوت انتقادك لنفسك , من قسوة حوارك الداخلي مع نفسك الذي يسلبك هدؤك و ثقة بمذاكرتك التي تحتاجها كثيراً خصوصاً أيام الحصاد !
هل أقصد بهذا أسئلة _ليس إجابات_السنوات السابقة التي أنصح دائماً بالاطلاع عليها.. طبعاً لا ما أقصده هو تلك الأوراق التي مصدرها المروجون .. تعرفهم بأن لهم شعبية كبيرة بدون أدنى مجهود علني, مثلاً لا تراهم يشاركون في حملات التوعية و نشاطات من هذا القبيل , علاقاتهم مع الدكاترة تثير الاستغراب , حميمة جداً و تكاد الحواجز أن تتلاشى بينهم. بعض الدكاترة يخافونهم بالذات المقيمين .. مستواهم الدراسي بعيد جداً عن الطبقة الكادحة أصحاب الـ”سي بلس” إما أن يكون في الحضيض و إما في العلالي لكن أيضاً بدون نباهة واضحة أو ماضٍ مشرف..حضورهم للمحاضرات قليل جداً.. و كثيراً ما يتخذ نمط إيقاع الساعة البيولوجية! هذه أفضل طريقة لوصفه برأيي
في الجامعة يحضون بالكثير من أصدقاء المصلحة , لا شيء حقيقي يربطهم, الكثيرون يكرهونهم بشكل ملفت و غير منطقي. و في أحيان كثيرة تجد طالب من الطبقة الكادحة في ركن ما يدعو لأحد المروجين بإلحاح بالتوفيق و البركة و كل الأشياء الجميلة في الحياة مع نظرة اليتيم الذي اكتشف أن أباه لم يمت , لا تحسدهم لأن هذا منظر الذي وقع في شراك المروج.. سينسى أن الجهد الشخصي و الأخلاقي لا يضيع أبداً و دائماً ما يجني ذهباً عاجلاً أم آجلاً. سيترك خططه و “آماله و مذاق النجاح الحلو و أن “ياكل عرقه من لقمة جبينه !
محاضرات مسربة , ملخصات سرية, أسئلة السنة الجديدة, تفريغات دكتور من حصص خصوصية, تحديدات, محذوفات, أوراق مهمة , عين صاد .. الخ كلها أسماء للأوراق التي تظهر فجأة و تأخذ ضجة كبيرة بين أوساط الطلاب أيام الامتحانات و الأيام القليلة التي تسبقها. أحياناً كثيرة تكون فعلاً هي أوراق الامتحان ! كلها أو ورقتين منها أو الجزء الكتابي أو الرسوم..الخ و أحيان كثيرة نسخة مصغرة أو محرفة قليلاً عن أسئلة الامتحان. تجدها مرمية في كل مكان بعد الامتحان و طالب ما قد اجتهد في حفظها كما هي برموز و روابط عجيبة يتضح لك فعلاً أنها وصلته في آخر دقائق قبل الامتحان فقرر أن يسلك أقصر طريق و هو مثلاً أن يحفظ الحرف الأول من السؤال و الحرف الأول من الإجابة أو أي كلمتين يربطهما رابط عجيب! و على حسب علاقتك مع نفسك و ربك تكون ردة فعلك..
إما أن تـثور و تأخذها لدكتور المادة لتستجوبه عن مصدر هذه الأوراق و لماذا لم يعممها على الجميع ظناً منك أنه قد أرسلها لبعض الطلاب ليقوموا بمهمة نشرها.. لكنها لم تصلك , و قد آلمك أن ترى حثالة الدفعة يحصلون على أعلى الدرجات بهذه الطريقة الذكية و أنت يا غافلين لكم الله ! الدكتور من جانبه على حسب رسوخ جذوره في الجامعة تكون ردة فعله: صاحب الجذور القصيرة و المشترك الرئيسي في الجريمة سينكر في البداية لكنه لن يتركك مع غضبك بل سيتأكد من تصديقك له و أن ما يقوله هو الحقيقة الوحيدة حتى تكف عن البحث .. إذا أصريت و بدأ الطلاب الآخرون ينظرون إليكم فسيحاول تهدأتك و قد يعدك ببعض التعويض إذا أقفلت فمك و إلا ستكون العواقب وخيمة عليكما معاً. صاحب الجذور الطويلة في الجامعة المشترك أيضاً في الجريمة سيغضب كثيراً لأنك وجدتها على الأرض , قد يتهمك أنك صاحب هذه الأوراق و هذه طريقتك لابتزازه , سينكر بكل عنف و الشرر يتطاير من عينيه و هو ينظر هنا و هناك كأنه يبحث عن أحد معين.. سيصر أن يأخذ منك الأوراق و سيسألك أين وجدتها بالضبط و شيء من التحقيق الجنائي سيجري معك .. سيسألك عن اسمك إذا كان لا يعرفه سابقاً لترى غضبه في درجتك لاحقاً .. و فجأة ستتغير طريقته في الشرح سيصبح أكثر تكتماً على “مفاتيح” المحاضرة و سيعطيكم أوراق المحاضرة ناقصة حتى يميز كما يقول بين الذي حضر و الغائب و ستتوقف الأوراق المسربة و المهمة لهذه المادة كلياً. . حتى الموجود في الأسواق غالباً سيختفي, و أحد زملائك “الذي كان يبحث عنه” سينضم مجدداً للطبقة الكادحة و ينقلب حاله كلياً .. حزين مريض مرهق و درجاته لم تعد ذهبية ! نقطة مهمة لتتأكد شكوكك.. هناك علاقة خارج الجامعة غالباً “عائلية” بينه و بين ذلك الدكتور.
ردة فعل منتشرة كثيراً خصوصاً في الامتحانات الفصلية و هي: أن تشهق شهة عالية عندما تجد أن ما رأيته قبل قليل في الامتحان يشبه إلى حد كبير الأوراق التي وجدتها بجانب القاعة بالصدفة ! ستتلفت يمنة و يسرة خوفاً من أن أحدهم رآك تتفاجأ. ستذهب في جولة سرية تجمع أوراق زملائك من كل البقاع! ستجمع كل ما له علاقة بامتحانكم ذلك اليوم لتختلي بنفسك فيما بعد و تجد فعلاً أن هذه الأوراق مصيرية , كانت لتعطيك الدرجة الكاملة بكل سهولة و ستعض أصابع الندم لأنك أغفلت هذه الخطوة المهمة في رأيك لتحصل على الدرجات العالية , و ستبرر لنفسك أن لا أحد يعلم مدى تعبك و جهدك و أكوام المذاكرة التي يكدسها عليكم الدكاترة بدون رحمة, ستشعر أنك ولدت من جديد و من الآن فصاعداً لن تحرص على الكتاب أو أوراق المحاضرة و لكن على تلك الأوراق أولاً ثم كل شيء يأتي لاحقاً. ستحاول أيضاً التعرف على المروجين لتعقد صفقات معهم تليق بمستواك.
و إما أن تبتسم ساخراً عندما تجد تلك النسخة المشابهة لامتحانكم و غبار الدهس عليها مع خط زميلك الذي تعرفه و تتساءل لماذا لم يذكر هذه الأوراق لي من قبل .. ؟ قد تفيدني حقاً ! هل آذيته في شيء ؟ هل يا ترى هو منزعج مني ؟ قد تقرر أن تسأله لكن عندما تجد عليها شعار الجامعة و سنة الامتحان و حتى رقم المجموعة! ستفهم أخيراً أنها أتت بطرق غير مشروعة و أن وجودها في يدك قد يسبب لك المشاكل. ستغضب كثيراً لأنك أخيراً فهمت كيف يكسب ذهباً الطلاب الغائبين طوال السنة و أنت الذي لا تتغيب و تقرأ كثيراً لا تحصل إلا على المتوسط من الدرجات , ستغضب لأنك تشعر برأسك ثقيل من كمية المعلومات المهمة التي تعرفها و ذلك الصداع خلف حاجبيك يكاد أن يتكلم! ستفهم أخيراً لماذا يسلم عليك البعض فقط عندما تكون ممسكاً بورقة أو مجموعة أوراق و لا يكادون ينظرون إلى عينيك لأن تلك الأوراق في يدك تشغل بالهم! ستفهم أخيراً لماذا بعض الطلاب بسرعة هائلة يدخل معك في صداقة “تطفلية” “اقتحامية” و في غمضة عين يعودون غرباء كما كانوا.. لم يجدوا عندك ما يهمهم .. فأنت كما يقولون لا تحتاج إلا إلى كتاب كبير كرأسك .. و مع استيعابك أخيراً للعبة الدرجات و امتعاضك من هذا العالم الظالم , نوع جديد من العلاقة ستنشأ بينك و بين زبائن هذه السوق السوداء لأنك أصبحت الآن تعرفهم. . و تعلم عن وجود سوق سوداء في أروقة الجامعة بضاعتها الأوراق ! سيكف الجميع غالباً عن التطفل عليك و أنت تقرأ أو تمسك أوراقاً في مكان ما. صراع داخلك بين قوى الشر و قوى الخير.. يا ترى أين الصواب؟ هل تستحق شهادة الطب هذه المعاناة؟ إنها في تصعيد مستمر بلا فائدة من قبل الدكاترة و طريقة التعليم الغبية أساساً لا يستحقون مني إلا أن أرد لهم ظلمهم بأن أنضم إلى السوق السوداء فالجميع هنا كذلك.. ثم تكبر ثمرة الخير فيك لتصبح شجرة تظللك في الدنيا و يوم لا ظل إلا ظله و ينتصر الخير ليفتح الله لك أبواباً بعد التخرج لم تعرف بوجودها حتى و ترى الدنيا تدبر عن أولئك الذين غبطتهم يوماً !
قبول تلك الأوراق بدون أدنى شك في صحة المعلومات بها أو حتى موضوع السرقة الأدبية “غباء” فعلاً ..على الأقل عند حصولك على تفريغ لمحاضرة ما تأكد من اسم الطالب الذي كتب التفريغ و سنة كتابته لها قد يكون من طلاب السنوات السابقة و قد تغيرت المعلومات مؤخراً .. ثم قرر صحة المعلومات بناء على فهمه لما سمعه في المحاضرة , إذا كنت تثق به و السنة حديثة فلا بأس. و إذا أضاف معلومات من مصدر آخر فعلى الأقل يجب أن يذكر اسم المصدر أو أن يكون معلوماً لديك.. مثلاً أذكر أني نشرتُ في السنة السادسة تفريغ لمحاضرة الأشعة و وضعت عليها شعار سايلنت المعروف كتبت التاريخ و رابط لموقع مفيد لنفس المحاضرة .. هنا عليك أنت أن تقرر مدى قبولك لأوراق نشرتها أنا حتى بعد أن راعيتُ ما ذكرته الآن. لكن أن تقبل ورقة ممزقة ترقيم صفحاتها يدل على نقصانها و عدم وجود مصدر لها أو حتى اسم الدكتور المحاضر أو الطالب الذي كتب ملخصاً لها أمر خطير.. مما اكتشفته و وقفت عليه شخصياً هو أن بعض الطلاب ذوي النفوس الدنيئة يقرر مع نفسه أن يحدد بقلم على شرائح محاضرة ما بكلمة “مهم”.. “محذوف” ..”الرسمة فقط” .. الخ و ينشرها قبل الامتحان بيوم أو يومين من دناءة نفسه و حسده ينصب لكم فخ و يراقبكم تقعون فيه. فعلاً كثير من التحديدات مصدرها إما قديم جداً أو من طالب ما أو حتى محاضرة طالب عادي لا يعلم أن أوراقه أصبحت تتداول بين طلاب السنة الجديدة على أساس أنها تحديد مهم من دكتور المادة! لا أجد حرجاً في أن أقول حتى بعض الدكاترة بدوافع لا تقل دناءة يحدد موعد لتحديد المحاضرات .. بعد ظهر يوم ما في أسبوع ما قبل الامتحانات .. يحضر الجميع مع أوراق الترم كاملة و يبدأ ماراثون الحذف و التحديد .. كيف تثقون بدكتور يضيق عليكم مستقبلكم؟ لا أفهم! و دائماً دائماً يكتشفون التناقض الرهيب بين أسئلة الامتحان و تحديد ذلك الدكتور .. ثورة غضب و بكاء و انهيار بعد آخر دقيقة من الامتحان .. حتى أن بعض الطلاب بكل جرأة يصرخ في القاعة دكتور! هذا ليس مما حددته لنا .. و طبعاً للدكتور مئة عذر و عذر ليخلص نفسه من لومكـم . .
ما أريد قوله باختصار .. الذكاء و الحذاقة مطلوبان في طريقة المذاكرة .. لكن انتبه ليس هذا النوع !
أتمنى لكم التوفيق جميعاً أنتم في جهاد فليكن في سبيل الله
Pingback: كذبة الإلمام بالمنهج | مُـدوَنَــة أَطِـبَّـاءُ الـمَـجْـد