قبل زمن أراه قريباً و يراني بعيدة, و بعد عاصفة ما أبقت شيئاً على حاله, حلَّ هدوء ُمميت! هدوء جرني معه إلى ظلام لم أعد أر ألوان الحياة و لا بهرجها.. حبيسة حجرتي لم أعد أعرفنـي و شريط المغامرات المجنونة لم يعد يلح عليَّ كما تعودت …تعجبت لحالي لأني أعرف أن هذا ليس طبيعي و لا أعتقد أنه جزء من التطور العقلي أيضاً .. فبدأت أبحث عن حل. جربت كل ما أستطيعه تقريباً.. خرجت عن محيطي الذي آلفه و سلمتُ ساعتي إلى أهلي ألبي كل ما يريدونه.. تركت القراءة و الكتب و المغامرات و اللعب و كثير من مواهبي تذبل! لأن القراءة كانت تعني لأختي الصغيرة التي لا تفارقني مجرد”مذاكرة” للمدرسة لا ترى لها سبباً مقنعاً في أيام إجازتي.. و لأمي كان لعبي رجاجة عقل لابد أن أتركه لأسمح للنضج أن يتمكن مني و أصبح سيدة مجتمع في يوم ما. و لم يكن هنالك شيء يلهمني لأحيي به مواهبي القديمة.. شيء أهملته على مر الأعوام ففضل أن يترك الصورة حتى أركض وراءه … ربما !
لأهرب من هذا كله نمت في إحدى الليالي باكراً و استيقظتُ على صوت منبهي و صوت منبهي فقط! إحساس غريب ..افتقدتُ شيئاً لكني لم أعرف ما هو بالضبط.. بعد صلاة الفجر فتحت نافذتي في وجه عصفور أفزعني و أفزعته, رائحة أجنحته و صوت شقشقته و هو يطير مرتعباً ذكرتني بنفسي التي أعرفها و التي أفتقدها في وهلة خاطفة! نزلت مباشرة إلى حديقة منزلنا التي نالها ما نالها من تلك العاصفة الحضارية! كان فجراً ميتاً .. الليل ينخلس بهدوء و صورة ذلك العصفور و هو يهرب تتكرر في عقلي.. يا إلهـي عرفت الذي أفتقده ..!! عصافير شجرتنا !! أقصد شجرتنا و العصافير ..
سامحك الله يا أمي و لا أعاده من يوم اقتلعتي فيه أكبر أشجار الحديقة لأن شكلها عشوائي و موقعها غير استراتيجي ! بعد كل هذه السنوات كان القصاص بمنشار كهربائي و جيش من العمال الأجانب الذين لا تعني لهم هذه الشجرة و لا سكانها شيئاً .. جلسنا تلك العصرية على أنقاض أوراق الشجرة و أعشاش العصافير المتهدمة ..تجمهرت العصافير المغدورة قبيل الغروب على سور حديقتنا بعد أن حلقوا فوق رؤوسنا في ضجة كبيرة .. و كأنهم يعاتبوننا على فعلتنا النكراء, كيف سلبناهم بيوتهم, أمانهم, صغارهم , تاريخهم ! تذكرت أني وقتها لعبت دور الناضجة و السطحية كما يريد الناضجون أصحاب القرار .. لم أعاتبهم و قد ابتعلتُ حزني خلف ابتسامة كاذبة… ذكرى آلمتني حتى دمعت عيني بغزارة ثم وجدتني أبكي بكاء مكلومة في ولدها أقف تماماً على قاعدة الشجرة المتفحمة التي كان عذابها الثاني حرقاً حتى لا تجرؤ على النمو من جديد ..و صدى الجواهري في أذني .. ناجيتُ قبركِ.. نعم كنت في حداد تجاهلته بإنكاري لأجل الآخرين
عَـزَّتْ دموعيَ لو لمْ تبعثي شَجناً
رَجــعـتُ مــنهُ لحرَّ الدمعِ أَبْـتَــرِد
خـلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كانَ يستُرُنـي
وبـانَ كَذِبُ ادَّعائي أنني جَلِـد
بَكَيْتُ حتى بكا مَنْ ليسَ يعرفُني
ونُحْـتُ حتـىَّ حكاني طائـرٌ غَــرِد
كـــما تَفـجَّــــرَ عَيـنـاً ثـرَّةً حـجَـرٌ
قــاسٍ تــفَــجَّرَ دمـعـاً قـلبـيَ الصَـلد
و كعادة الذكريات لا تأبه بـ”كفى” ! تذكرت البيت الخشبي الذي بنيته قبل سنوات بين أغصانها و حول أصدقائي العصافير. تذكرت العصفور ذا الأجنحة الصفراء قليل الظهور و كثير المشاغبة .. الأعشاش التي كانت تسقط بعد الأمطار و الجروح التي كنت أتجاهل نزفها حتى أعيد العش إلى مكانه.. بحيرتي الصغيرة التي حفرتها لهم خصيصاً حتى أشاهدهم يتحلقون حولها عندما أبتعد عن ظلها الوارف.. القط الجائع الذي قبضت عليه يحاول تسلقها و اسمي الذي حفرته على جذعها, الفراشات التي كانت تملأ المكان إذا ما اهتزت الأغصان فجأة و كل لحظاتي الجميلة مع الشجرة و سكانها.
و كعادتي يتبع حزني “ثورة” أبعثر بها قسوة الناس. دخلت البيت أسأل عن أمي هل استيقظت.. ثم حررتٌ عتابي و استيائي من مجزرة العصافير و شجرتي الحبيبة.. لماذا و كيف و لأجل من؟ .. احتارت أمي كيف ترضيني. ثم تنازلت عن بضعة أمتار من الحديقة أزرع فيها ما أشاء.. في موقع “استراتيجي” يناسب خططها المستقبلية. قلتُ ساخرة و أنا أشتاط غضباً.. نعم بالتأكيد حتى إذا طالت أشجاري تقتلين فرحتي بصوت المنشار الكهربائي ! وعدتني بالأمان و اتفقنا على “سياسة عدم التدخل”.. و للقصة بقية كان نتاجها هو أني قررت أن أتخلص من أحمال ظهري أولاً , قبل أن أختار طريق لحياتي و ابتعدت زمناً عن رهبة مفترق الطرق.
هذا الفصل من قصتي هو مقدمة جواب لأسئلتكم أعزائي. أسئلة مبهمة عن عدم الرغبة في المذاكرة و التخصص بشكل عام. فقدان الحماس لدراسة الطب بعد أن كان حلم مستحيل. أسئلة تبدأ بالتذمر من مادة الباطنة و تنتهي بانطفاء شمعة الأمل و مشكلات قديمة. اليأس كان صبغة أسئلتكم التي تصلني عبر إيميل المدونة و صفحة الأسئلة.
التركيز في أولويات الشخص و أهدافه المستقبلية و سعادته و راحة باله يمنعه الحِمل الذي نتجاهله مراراً بقصد و بدون قصد, بقرار منا أو بنصيحة ألقاها آخر بكل ثقة و برود “طنش تعش تنتعش” ! هذه الجملة غالباً ما تطبق على مشكلات الحياة و عقبات الطريق الغير مناسبة أبداً.
سؤال :
اعتقد الصفحة موقفة 😦 لكن لو حصل ودخلت ممكن تقول لي ليه الناس تستحقر طالب طب الاسنان وتهمشه مقابل طالب طب بشري
عزيزي\ عزيزتي .. صفحة الأسئلة مفتوحة لاستقبال أسئلتكم دائماً.
على مثل هذه الأمور ينطبق “التطنيش” و إغلاق الآذان. بل إنك إن لم تتركها وراءك لن تستطيع العيش بسلام. تحليلها أيضاً لن يجلب لك فائدة كبيرة, لن أثقل عليك بأسباب استحقار الناس لشيء أبعد ما يكون عن الحقارة! عليك أن تفهم فقط أن لكل “مخلوق” على وجه الأرض دور مهم , بالنسبة للإنسان فإن جميع الوظائف على تنوعها مهمة و أساسية لإسعاد البشرية و استمرارها فكيف بمن يعمل ليل نهار للحفاظ على صحة الآخرين, في أي جزء من أجسادهم , بأي استعداد و بأي مؤهل علمي كان! يستحقر الناس بائع النعناع , لكنهم يقطعون الأميال بحثاً عنه عندما تتشقق رؤسهم بصداع الشوق لذلك النعناع الجبلي “المهم” فجأة ! و اسمح لي أن أقول و لست هنا لأقارن أو أستحقر, تخيل لو أضرب عمال الصرف الصحي عن العمل الذين يتأفف الناس حتى من ذكرهم, كيف ستصبح شوراعنا ؟ لا تلتقط كل الحجارة التي ترمى بها لتعرف نوعها و الهدف منها و لكن تفاديها و نسيانها أحسن خدمة تهديها لنفسك.
جملة :
Unfinished business
تعني فوضى الحياة التي أجلت التعامل معها بقصد و بدون قصد و اعتمدت أسلوب المماطلة الذي هو عذر لعدم التعامل معها أصلاً. التي تقع تحت دائرة تأثيرك علمت أم لم تعلم. كمشكلة لغتك الانجليزية الضعيفة التي أجلت التعامل معها بسبب “خوفك” من الفشل و الإحراج مما أدى إلى “الشك” في النفس و فعاليتك كشخص في دراستك كلها و دورك في العالم. “التفاقم” هي ميزة الدائرة المفرغة التي تستنزف بدورها طاقتك الإيجابية. بدأ الموضوع بضعف اللغة انتهى به في ضعف عام بالمستوى و هبوط المعدل! أحياناً لا تكون المشكلة هي الأساس و لكن نظرتك إلى المشكلة. و محاولة حلك لعواقب سئية لم تحصل بعد! كفكرة ماذا لو درست دورة في اللغة و لم يتحسن مستواي و ضاعت أموالي و ساعاتي بلا فائدة؟! أو رفضك للانضمام إلى حفلة ما بسبب توقعك أن فلان قد يحضرها و سيتحدث معك بالانجليزية من باب مداعبتك يا طبيب المستقبل و يدوس على نقطة ضعفك التي أنهكتك و تكره سهرتك!
سؤال:
السلام عليكم، أدخل في صلب الموضوع مباشرة.. قُبلت سنة تحضيرية وبالرغم من الصعوبات اللي واجهته كون لغتي ضعيفة الا اني تجاوزته بمعدل سمح لي بالدخول للطب البشري.. لكن صار لي حالة وفاة لشخص قريب ومن بعده احس بكسر بقلبي وضعف بطموحي لدرجة اول سنة عديته بمعدل ما اعجبني.. صرت كسوله وبس ابي انجح غير اول! نصيحه
و عليكم السلام و رحمة الله, جوهر قصتك هو حداد لم يأخذ وقته و لا مساحته اللازمة, كقصتي مع الشجرة. شعور الفقد عميق بعمق العلاقة بينك و بين الشيء أو الشخص المفقود و له امتداد لا ندركه أحياناً . فعندما كنت في حالة حداد على الشجرة و العصافير لم أعرف و لم أدرك ذلك حتى تنبهت إليه صدفة في موقفي مع عصفور الفجر.. إذا درستي مادة الطب النفسي ستعرفين أن للحداد مراحل يجب أن تأخذ وقتها و مساحتها الكافية حتى لا “نعلق” في إحدى المراحل و نفقد بهجة الحياة و الرغبة بأشياء كثيرة. لا بأس أن تبعثري أوراق موت قريبك مرة أخرى حتى لو رأى من حولك أن هذا مبالغة و سخط على القدر و من هذا القبيل.. عودي بذاكرتك إلى الشخص المتوفي و تذكري حزنك و حددي أنت في أي مرحلة بالضبط و الأهم من هذا تقبليه كجزء من الحياة و كجزء منك. الحزن ليس ضعفاً و لا جهلاً و لكنه طبيعة بشرية و مرارة تجعلنا نقدر حلاوة الفرح. و تذكري أن هذا شيء مؤقت. لو تتفكري في نعمة النسيان و تتذكري منظر فلان من أقربائك كيف كان وجهه متورماً من البكاء على فقيد في أيام العزاء و كيف أنه يتذكره الآن و لا يبكي بتلك الحرقة.. هذه نعمة من الله, ننسى الألم مع مرور الوقت و نكمل مشوارنا لأن في الدنيا الكثير مما لا نعلمه من الفرح و الحزن القادمين و هذه إرادة الله. تصفحي المدونة في قسم سنتك الدراسية و ابحثي في فئة ركن المذاكرة و فئة صعوبات حياتية على طريق الدراسة ستجدين الكثير من النصائح للنهوض من جديد.
سؤال:
انا طالبة طب فاشلة، لم استطع الاندماج في اجواء الكلية ولم استطع التأقلم مع دراسة الطب مع انني قضيت فيها عدة سنوات! فتحولت من طالبة كانت الاولى على مدرستها الى طالبة بالكاد تنجح! تقديري مقبول او جيد في احسن الحالات والسبب أنني اهمل محاضراتي ولا أذاكر ولم يعد يهمني أي شي، تمر الايام وانا ادور في حلقة اعيش بالطريقة الي ابغاها وتريحني! طريقة صحيحة! لاني عاشية بكيفي ما اخذ رائي احد وقراراتي كلها اتخذها لوحدي! احس حياتي غلط ولا صح الي اسوية لازم اكون سعيدة.
استياءك هنا من عدة أمور أتت تلاحق بعضها كنتائج لا أسباب لما تعيشينه الآن. حمل ظهرك أصبح ثقيل جداً . مشكلات بسيطة تراكمت و أنتِ تتظاهرين بالقوة أمامها و تقررين بنفسك مع حاجتك الشديدة للإرشاد من الآخرين كما أعتقد. خلف سؤالك توقعات كانت عالية اتجاه شخص ما أو شيء ما ولربما شعرتِ بالخذلان و عاقبتي نفسك باللوم الشديد ! يمر أغلبنا بمرحلة نشعر بالخذلان ممن حولنا و نقرر العيش معتمدين على أنفسنا و نعزل أحلامنا و قراراتنا المصيرية أحياناً عن الجميع. هذا جزء طبيعي من النمو و النضوج في هذه السن. تتطور ردة فعلك هذه إلى اعتماد على النفس عاجلاً أم آجلاً بإذن الله. نتائجها السيئة نقص خبرة و شعور بالوحدة ستتحول إلى دروس و عبر إذا سامحت نفسك أولا ً و توقفتي عن جلد ذاتك. لتنطلقي مجدداً إلى المراتب الأولى و إلى “السعادة” كما تريدين يجب أولاً أن تتعاملي مع كل ما يعيقك الآن. قد يساعدك أن تزيلي عن كاهلك أولاً عتاب لعزيز تركك في حاجتك إليه. افترضي أنه لا يعلم بما في قلبك و بوحي بكل شيء! طبيعة البنات الحساسة تتوقع أن الغير يعرف ما نخبئه في صدورنا و هذا غير صحيح. الحياة خيارات كثيرة , كل يوم نختار أن ننام متأخراً مثلاً و نتحمل نتيجة صداع اليوم الثاني, و نختار أن نتغيب عن احتفال عائلي لننعم بساعة مذاكرة بهدوء و هكذا. الصحة و الخطأ معيار شخصي, اكتبي ما ترينه خطأ في حياتك, و اكتبي السبب في رأيك و كيف يمكن أن تصححيه. لا تبالغي كثيراً و لا تأخذي الامور بجدية أكثر من اللازم.
🙂