إن من رحمة الله و حكمته و كرمه أن جعل أصل فطرة القلب الهدى , و هو مثل البيت له أبواب لا تضيق عن كثرة الشياطين نعوذ بالله منهم .

أحد هذه الأبواب التي يدخل منها الشيطان إلى طالب العلم و الرفعة هو باب الحرص. الحرص على الدرجات العالية و الجوائز و الشهرة. 

الحرص من الأبواب العظيمة التي يدخل منها الشيطان إلى العباد جميعهم و إلى طالب المنفعة خاصة. فمتى ما كان العبد حريصاً على شيء ما , أعماه حرصه و أصمه !

وقد يفتح له الحرص الشديد باب الحسد , فيعمي بصيرته عن الصواب و يُحسِّن عند الحريص كل ما يوصله إلى مراده و من ذلك الغش في الامتحانات و عند صاحب مطلبه.

فقد تجد الغشاش يسرق الكلمة من فم زميله يصدح بها أمام معلمه و يسمي ذلك فطنة و نباهة!  و تجده يتفنن في مواراة سرقته لإجابات زملائه و رفاق دربه! و لا يرى فيه سوءاً طالما حقق بذك مبتغاه و ما حرص عليه. 

العبد لن يحفظ بيته إلا بحراسه أبوابه و لن يفطن إلى ذلك إلا لو عرف الأبواب التي يدخل الشيطان منها إلى قلبه. ينزجر الشيطان بعد ذلك من الخاطر إذا لم يجد قوته في قلب العبد. و القلب إذا لم يمتلئ بذكر الله امتلأ بغيره. فالشيطان وسواس لكنه خنَّاس , يخنس و يتوارى إذا ذُكر الله تعالى و إذا وقعت الغفلة يحضر. فخاطر الغش إذا داهمك في وقت حاجتك و حرصك على مطلبك اذكر الله الذي يملك علم السماوات و الأرض و لن يعجزه أن يلهمك بالإجابة و إن لم يلهمك إياها فلحكمة يعلمها و لكنه لن يمنع عنك راحة البال و اطمئنان النفس بطاعته.

كما يساعدك أن تسأل الله الثبات كما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول :(يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك, يا مصرف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك)  . قد يحمل الشيطان على العقل ليقوي خاطر الغش و هوى النفس فيقول له أما ترى فلان و فلان يغشون و درجاتهم عالية و هم من ذلك سعداء محظوظون؟ أما ترى أن المعلم غافل عنهم و الفرصة سانحة الآن؟ و قد يحصل تطارد بين جند الملائكة و جند الشيطان في قلبه فيقول له المَلَك و هل هلك إلا من نسي العاقبة؟ لا تغتر بغفلة الناس عن أنفسهم أكنت سترمي بنفسك في مهلكة لأن أكثر الناس رموا بأنفسهم فيها؟

و يقع التردد بين الجندين في قلب العبد حتى ينتصر من هو أولى بقلبه و من وجد قوته عنده لأن من خُلق للخير يُسِّر له و من خُلِق للشر يُسِّر له.

يَا أيُّها العبدُ المُسِيْء إلِى مَتَى  

 تُفْني زمَانَكَ في عَسَى وَ لَرُبَّمَا 

بَادِرْ إلِى مَولاَكَ يا مَن عُمْرُهُ

   قَد ضَاعَ فِي عِصْيانِهِ وَ تَصَرَّمَا

َو اسْـــأَلهُ تَوفيْقاً وَ عَفْواً ثُمَّ قُلْ

   يَا ربِّ بَصِّرنِي و زِلْ عَنِي العَمَا

اللهم ثبت إيماننا بك ثبوت الجبال الراسيات و نور قلوبنا بنور الإيمان و اجعلنا هداة مهتدين و ارزقنا العلم النافع و العمل الصالح المتقبل يا كريم.