هل تفضل أن تقود سيارتك عبر مضيق بوابة جاركم السابع بدل الدخول إلى الشارع العام ثم أخذ منعطف الـيـو تيرن الذي يفضله أخوك الأكبر؟ هل ترى أن الطريق السهل أقرب و لو طال كذبة ألفها الجبناء بينما يرى هو أنك مغامر و قد تدهس قطاً في ذلك المضيق المظلم؟ و لكن كلاكما يصل في نفس الوقت و بنفس المكاسب؟
هل تستلذين قطر السكر ببشر الليمون بينما تفضل أختك ماء الورد عليه؟ هل تطحنين السميد ناعماً جداً في عجينة القطايف بينما يتمنى أخوك الصغير أنك نسيتي هذه الخطوة تماماً لأنه لا يفهم كيف لا يتحول إلى بسبوسة في طبق التقديم!؟ و مع ذلك يلتهم الجميع القطائف التي خرجت من تحت يديك في صمت ! و رضا يخجلون أن يعبروا عنه بعد مناقشات نكهة الليمون و دموع الأمير الصغير.
بعض النقاشات لا فائدة منها و النصائح التي تستخلص منها بعد تأمل تعبر تماماً عن رغبة الناصح في أن يعمم طريقته على الجميع حتى لو لم يكن لها تأثير على النتيجة. في تشتت السنة الرابعة بعد بضعة جلسات عملي مع الأطباء لاحظت و بدون جهد كوني “متمردة” مسبقاً أنهم يحاولون باستمرار تعميم طريقتهم في أخذ و إلقاء التاريخ المرضي, بعضهم انتقد علناً طريقة زميله الاستشاري عندما دافعت إحدى زميلاتي عن نفسها قائلة “الدكتور فلان قال نبدأ بأحداث الطوارئ و بعد ذلك بالـ
“Chief Complaint
كان البطل في ذلك الموقف الـ
Ego !
تململن زميلاتي من التشتت الذي أصابنا جميعاً, كل دكتور يريدنا أن نكون مثله, و لكن المختلف بيني و بينهن أني لم آخذ الموضوع بشكل شخصي و تجاهلت نصيحته حتى هذا الموقف:
جاء دوري في تقديم حالة أمام استشاري في جلسة العملي, عفواً ليس دوري و لكنه “تحدي” رموه أمامي لأن غطرسة ذلك الاستشاري وصلتنا قبل أن نتعرف عليه, انسحبت زميلتي عنوة انقاذاً للـ”أنا” خاصتها و جبناً ! ثم تنازل البقية عن تحمل مسؤولية قرارها و اتفقن جميعاً أن يرمين أمامه قنبلةَ ضرورة إلغاء عملي اليوم لأن من عليها الدور غابت و الجميع غير مستعد.
كنت دائماً أنتقد استعدادهن لجلسات العملي قبلها بعدة أيام و أحياناً بأسبوع! يذهبن لأخذ التاريخ المرضي و الفحص السريري قبل موعد التقديم بعدة أيام ! ماذا لو طلب الاستشاري رؤية المريض و لم نجده ليكتشف أنه قد خرج من المستشفى قبل أيام من درسنا؟ أين تلقائيتكن؟ هل أنتن هنا لتتعلمن إدارة الوقت و تطوير أنفسكن لامتحان العملي أم لإبهار الدكاترة و أداء الواجب الذي هو في غنى عنه أصلاً؟ كيف لا تستحضرن عظمة أن يلقي علينا درس “استشاري” قد أكل الشيب رأسه و لديه من المعلومات ما نحتاج لتعلمه سنين لكنه “هنا” بيننا مستعد ليعطينا إياها على طبق من ذهب ؟ لماذا يصبح غضبه علينا أمر شخصي يثير دموعكن و غيظكن منه؟
😡
هل غضبت سايلنت من قرار المجموعة؟! نعـم بالتأكيد .. مضت العشر دقائق التي كان من المفترض أنها لأخذ التاريخ المرضي لإلقائه على الاستشاري.. خطرت على بالي فكرة و تحملت مسؤولية أن أكون أنا التي ستلقي التاريخ المرضي اليوم, تجاهلت نظرات الغضب لأني سرقت من بعضهن ساعتين “راحة” و تجول في أروقة المستشفى و كلمات استهزاء من أني سأتحمل غضبه …
دعوت الله أن يعطينا خيره و يكفينا شره, لن يستطيع “قتلي” مثلاً و لا الجنة و النار بيده.. بسم الله ! دخلت عشوائياً إلى غرفة إحدى المريضات سألتها عن شكوتها الأساسية لكنها لم تحرك ذلك الشيء في قلبي! ذلك الشيء الذي أحتاجه لأصبح قوية في وجه الاستشاري و الذي لا أدرى ماهو ذلك الوقت..لكني متأكدة من وجوده.. خرجتُ من الغرفة بعد أن “استجوبت” ثلاث مريضات تقريباً و لم “تتحرك مشاعري كما أريد لها” .. ثم جرتني قدماي إلى غرفة نعرف جميعاً أنها غرفة العزل, تجاهلتُ صرخات زميلاتي فهن لا يردن المخاطرة بحياتهن في السنة الرابعة من كلية الطب لأن المشوار الحقيقي بدأ !!
😛
وجدت مريضة لم تكن تعاني من مرض يستلزم العزل ،سألتها عن شكوتها الأساسية بعد السلام عليها و الدعاء لها فتحرك قلبي كما لو أن باباً كبيراً فُتح على جنة الدنيا, ثم سألتها من طبيبك؟ قالت فلان .. نعم إنه الاستشاري نفسه! و لأني علمت عن عادة أن يترك زميلاتي المريض إذا كان لنفس الاستشاري الذي سيعطينا درس العملي لأنه غالباً يعرف عنه أكثر مما نستطيع جمعه.. زدت إصراراً عليها. أخذت منها التاريخ المرضي بطريقتي المفضلة و فحصتها في سبع دقائق ثم استأذنتها في أن أحضر زميلاتي و طبيبها لنكمل الباقي فوافقت بكل بهجة.
خرجتُ من غرفتها لأنتظره ..فالتقت عيني بعيني أملج ثاقبة و وقار اختفى من حوله من المارة بحركة بطيئة تقدم بخطى مستقيمة نحوي ..انحرفتُ باتجاه زميلاتي لأسألهن عنه هل سيتأخر أكثر؟ فأشارت لي إحداهن تهمس هو ورائك تماماً.. هذا هو. ابتسمتُ لأني علمت في لحظتها أن الغطرسة التي سمعنا عنها ماهي إلا خشية العلماء و هيبة الأتقياء , يشعر الجاهل الغافل بأنه “تحت التهديد” في حضرته و لأنه يعلّم بحزم و أمانة شديدين كانت الغطرسة المصطلح الذي يعرفه الجاهل ليتهمه بها..
عضضن زميلاتي على أسنانهن تنبؤاً بعاصفة هوجاء من هذا الاستشاري, انسحبن من المشهد بهدوء, وجدت نفسي في وجه المدفع لوحدي كما أريد! ألقيت السلام و قلت له أنا فلانة سأقدم حالة اليوم بدل زميلتي التي لا يعلم إلا الله ما بها لعل المانع خير, أخذتُ الإذن من إحدى المريضات لتعلمنا بعد إذنك كيف نأخذ التاريخ المرضي باختصار غير مخل. . عندما بدأ وجهه يتجعد من الغضب ظناً منه أننا سنكون الجمهور هذه المرة قلت له أنا ٍسأبدأ و سأعطيك التاريخ المرضي و الفحص الذي جمعته في سبع دقائق ..المريضة مستعدة فتفضل! طلبته أن ينتقد كل ما يراه خطأً لكنه استمع إلي بصمت, كان واضحاً عليَّ أني لم أستشعر المسرح اليومي و لا أريد أن أقدم مسرحية ليصفق لي في النهاية تعمدتُ أن أخطئ في بعض الأحيان, طلب مني أن أفحصها أمامه ليرى طريقتي و بعد أن انتهيت بدأت أسئلته!! ماهو تشخيصك المبدئي؟ و التشخيص المقارن و كيف خلصتي إليه؟ و مم تخافين في مرضى كهذه لا تعطيني نتائج الفحص و لكن تحليلك لنتائج الفحص … الخ أسئلة لم نتعود عليها و واضح أنه لم يتوقع إجابة و لكنه _كما أعتقد_ عرف أن ما أريده منه مختلف, أريد منه أن يعلمنا ما لا نجده في الكتب, ما يحتاج منا سنين لنعرفه و أني لا أبالي بانتقاده طالما سيعلمني في المقابل الطريقة الصحيحة, أخذتُ منه ما أستحق و ما كان متوقعاً لكني صمدت في وجه هجماته.. القصة بالنسبة لي لم تنتهِ و لم أرضَ بالنهاية التي رسمها هوَ .. قبل أن نخرج من غرفة المريضة قلبتُ الطاولة! و بالانجليزية سددت ضرباتي .. دكتور ! سألتني مم أخاف في مريضة كهذه و أنا أخاف أنها ليلة البارحة كان من الممكن إنقاذها من الشلل الدائم لو أن عملية كذا و كذا أجريت لها فور شعورها بكذا و لكن بما أن الإحساس في منطقة كذا من جسمها اختفى يعني أن الضغط على نهاية الحبل الشوكي قد استفحل هذا غير طريقة استلقائها على سريرها التي تزيد من الضغط على كذا إذا كنت تريد تأجيل العملية الطارئة قد يساعدها أن تستلقي في وضعية كذا و لكن الغريب أن الفحص في كذا و كذا من جسمها يدل على أن الجسم الضاغط ليس شكله كما أعتقد أو أنه يتحرك لا أدري .. فهل لك أن تجيبني على سؤالي؟ بنحنحة مخيفة ,شتت انتباهنا لضحكة ارتسمت على عينيه لوهلة ثم أسمعني ما أريد سماعه, تعلمت الكثير من المعلومات التي لا أجدها في كتاب العملي و ليست من النوع الذي سيسألنا عنها في الامتحان و لكنها من ذلك النوع الذي يأتي مع الخبرة و يقف عندها الطبيب كثيراً يبحث عن تفسير لها في مجلات الطب المبني على الدليل و أبحاث العالم .. هذا غير إجابات لأسئلة حضرتها له و لم يتسنً لي سردها عليه ..
🙂
Pingback: استفسـارات طلاب السنوات السريرية | مُـدوَنَــة أَطِـبَّـاءُ الـمَـجْـد
Pingback: انـحـنـاءات الـقـدر | ’Medic Of Glory
Pingback: انـحـنـاءات الـقـدر | ’Medic Of Glory
Pingback: استفسـارات طلاب السنوات السريرية | ’Medic Of Glory
👏👏👏 enjoyed every word u made me remember the experience 😂😂
LikeLike