Dr. Neophyte Style.

b1884-basmala-svg

هل تفضل أن تقود سيارتك عبر مضيق بوابة جاركم السابع بدل الدخول إلى الشارع العام ثم أخذ منعطف الـيـو تيرن الذي يفضله أخوك الأكبر؟ هل ترى أن الطريق السهل أقرب و لو طال كذبة ألفها الجبناء بينما يرى هو أنك مغامر و قد تدهس قطاً في ذلك المضيق المظلم؟ و لكن كلاكما يصل في نفس الوقت و بنفس المكاسب؟

هل تستلذين قطر السكر ببشر الليمون بينما تفضل أختك ماء الورد عليه؟ هل تطحنين السميد ناعماً جداً في عجينة القطايف بينما يتمنى أخوك الصغير أنك نسيتي هذه الخطوة تماماً لأنه لا يفهم كيف لا يتحول إلى بسبوسة في طبق التقديم!؟ و مع ذلك يلتهم الجميع القطائف التي خرجت من تحت يديك في صمت ! و رضا يخجلون أن يعبروا عنه بعد مناقشات نكهة الليمون و دموع الأمير الصغير.

بعض النقاشات لا فائدة منها و النصائح التي تستخلص منها بعد تأمل تعبر تماماً عن رغبة الناصح في أن يعمم طريقته على الجميع حتى لو لم يكن لها تأثير على النتيجة. في تشتت السنة الرابعة بعد بضعة جلسات عملي مع الأطباء لاحظت و بدون جهد كوني “متمردة” مسبقاً أنهم يحاولون باستمرار تعميم طريقتهم في أخذ و إلقاء التاريخ المرضي, بعضهم انتقد علناً طريقة زميله الاستشاري عندما دافعت إحدى زميلاتي عن نفسها قائلة “الدكتور فلان قال نبدأ بأحداث الطوارئ و بعد ذلك بالـ

“Chief Complaint 

كان البطل في ذلك الموقف الـ

Ego !

تململن زميلاتي من التشتت الذي أصابنا جميعاً, كل دكتور يريدنا أن نكون مثله, و لكن المختلف بيني و بينهن أني لم آخذ الموضوع بشكل شخصي و تجاهلت نصيحته حتى هذا الموقف:

جاء دوري في تقديم حالة أمام استشاري في جلسة العملي, عفواً ليس دوري و لكنه “تحدي” رموه أمامي لأن غطرسة ذلك الاستشاري وصلتنا قبل أن نتعرف عليه, انسحبت زميلتي عنوة انقاذاً للـ”أنا” خاصتها و جبناً ! ثم تنازل البقية عن تحمل مسؤولية قرارها و اتفقن جميعاً أن يرمين أمامه قنبلةَ ضرورة إلغاء عملي اليوم لأن من عليها الدور غابت و الجميع غير مستعد.

كنت دائماً أنتقد استعدادهن لجلسات العملي قبلها بعدة أيام و أحياناً بأسبوع! يذهبن لأخذ التاريخ المرضي و الفحص السريري قبل موعد التقديم بعدة أيام ! ماذا لو طلب الاستشاري رؤية المريض و لم نجده ليكتشف أنه قد خرج من المستشفى قبل أيام من درسنا؟ أين تلقائيتكن؟ هل أنتن هنا لتتعلمن إدارة الوقت و تطوير أنفسكن لامتحان العملي أم لإبهار الدكاترة و أداء الواجب الذي هو في غنى عنه أصلاً؟ كيف لا تستحضرن عظمة أن يلقي علينا درس “استشاري” قد أكل الشيب رأسه و لديه من المعلومات ما نحتاج لتعلمه سنين لكنه “هنا” بيننا مستعد ليعطينا إياها على طبق من ذهب ؟ لماذا يصبح غضبه علينا أمر شخصي يثير دموعكن و غيظكن منه؟ 

😡

هل غضبت سايلنت من قرار المجموعة؟! نعـم بالتأكيد .. مضت العشر دقائق التي كان من المفترض أنها لأخذ التاريخ المرضي لإلقائه على الاستشاري.. خطرت على بالي فكرة و تحملت مسؤولية أن أكون أنا التي ستلقي التاريخ المرضي اليوم, تجاهلت نظرات الغضب لأني سرقت من بعضهن ساعتين “راحة” و تجول في أروقة المستشفى و كلمات استهزاء من أني سأتحمل غضبه … 

دعوت الله أن يعطينا خيره و يكفينا شره, لن يستطيع “قتلي” مثلاً و لا الجنة و النار بيده.. بسم الله ! دخلت عشوائياً إلى غرفة إحدى المريضات سألتها عن شكوتها الأساسية لكنها لم تحرك ذلك الشيء في قلبي! ذلك الشيء الذي أحتاجه لأصبح قوية في وجه الاستشاري و الذي لا أدرى ماهو ذلك الوقت..لكني متأكدة من وجوده.. خرجتُ من الغرفة بعد أن “استجوبت” ثلاث مريضات تقريباً و لم “تتحرك مشاعري كما أريد لها” .. ثم جرتني قدماي إلى غرفة نعرف جميعاً أنها غرفة العزل, تجاهلتُ صرخات زميلاتي فهن لا يردن المخاطرة بحياتهن في السنة الرابعة من كلية الطب لأن المشوار الحقيقي بدأ !! 

😛

وجدت مريضة لم تكن تعاني من مرض يستلزم العزل ،سألتها عن شكوتها الأساسية بعد السلام عليها و الدعاء لها فتحرك قلبي كما لو أن باباً كبيراً فُتح على جنة الدنيا, ثم سألتها من طبيبك؟ قالت فلان .. نعم إنه الاستشاري نفسه! و لأني علمت عن عادة أن يترك زميلاتي المريض إذا كان لنفس الاستشاري الذي سيعطينا درس العملي لأنه غالباً يعرف عنه أكثر مما نستطيع جمعه.. زدت إصراراً عليها. أخذت منها التاريخ المرضي بطريقتي المفضلة و فحصتها في سبع دقائق ثم استأذنتها في أن أحضر زميلاتي و طبيبها لنكمل الباقي فوافقت بكل بهجة. 

خرجتُ من غرفتها لأنتظره  ..فالتقت عيني بعيني أملج ثاقبة و وقار اختفى من حوله من المارة بحركة بطيئة تقدم بخطى مستقيمة نحوي ..انحرفتُ باتجاه زميلاتي لأسألهن عنه هل سيتأخر أكثر؟ فأشارت لي إحداهن تهمس هو ورائك تماماً.. هذا هو. ابتسمتُ لأني علمت في لحظتها أن الغطرسة التي سمعنا عنها ماهي إلا خشية العلماء و هيبة الأتقياء , يشعر الجاهل الغافل بأنه “تحت التهديد” في حضرته و لأنه يعلّم بحزم و أمانة شديدين كانت الغطرسة المصطلح الذي يعرفه الجاهل ليتهمه بها..

عضضن زميلاتي على أسنانهن تنبؤاً بعاصفة هوجاء من هذا الاستشاري, انسحبن من المشهد بهدوء, وجدت نفسي في وجه المدفع لوحدي كما أريد! ألقيت السلام و قلت له أنا فلانة سأقدم حالة اليوم بدل زميلتي التي لا يعلم إلا الله ما بها لعل المانع خير, أخذتُ الإذن من إحدى المريضات لتعلمنا بعد إذنك كيف نأخذ التاريخ المرضي باختصار غير مخل. . عندما بدأ وجهه يتجعد من الغضب ظناً منه أننا سنكون الجمهور هذه المرة قلت له أنا ٍسأبدأ و سأعطيك التاريخ المرضي و الفحص الذي جمعته في سبع دقائق ..المريضة مستعدة فتفضل! طلبته أن ينتقد كل ما يراه خطأً لكنه استمع إلي بصمت, كان واضحاً عليَّ أني لم أستشعر المسرح اليومي و لا أريد أن أقدم مسرحية ليصفق لي في النهاية تعمدتُ أن أخطئ في بعض الأحيان, طلب مني أن أفحصها أمامه ليرى طريقتي و بعد أن انتهيت بدأت أسئلته!! ماهو تشخيصك المبدئي؟ و التشخيص المقارن و كيف خلصتي إليه؟ و مم تخافين في مرضى كهذه لا تعطيني نتائج الفحص و لكن تحليلك لنتائج الفحص … الخ أسئلة لم نتعود عليها و واضح أنه لم يتوقع إجابة و لكنه _كما أعتقد_ عرف أن ما أريده منه مختلف, أريد منه أن يعلمنا ما لا نجده في الكتب, ما يحتاج منا سنين لنعرفه و أني لا أبالي بانتقاده طالما سيعلمني في المقابل الطريقة الصحيحة, أخذتُ منه ما أستحق و ما كان متوقعاً لكني صمدت في وجه هجماته.. القصة بالنسبة لي لم تنتهِ و لم أرضَ بالنهاية التي رسمها هوَ .. قبل أن نخرج من غرفة المريضة قلبتُ الطاولة! و بالانجليزية سددت ضرباتي .. دكتور ! سألتني مم أخاف في مريضة كهذه و أنا أخاف أنها ليلة البارحة كان من الممكن إنقاذها من الشلل الدائم لو أن عملية كذا و كذا أجريت لها فور شعورها بكذا و لكن بما أن الإحساس في منطقة كذا من جسمها اختفى يعني أن الضغط على نهاية الحبل الشوكي قد استفحل هذا غير طريقة استلقائها على سريرها التي تزيد من الضغط على كذا إذا كنت تريد تأجيل العملية الطارئة قد يساعدها أن تستلقي في وضعية كذا و لكن الغريب أن الفحص في كذا و كذا من جسمها يدل على أن الجسم الضاغط ليس شكله كما أعتقد أو أنه يتحرك لا أدري .. فهل لك أن تجيبني على سؤالي؟ بنحنحة مخيفة ,شتت انتباهنا لضحكة ارتسمت على عينيه لوهلة ثم أسمعني ما أريد سماعه, تعلمت الكثير من المعلومات التي لا أجدها في كتاب العملي و ليست  من النوع الذي سيسألنا عنها في الامتحان و لكنها من ذلك النوع الذي يأتي مع الخبرة و يقف عندها الطبيب كثيراً يبحث عن تفسير لها في مجلات الطب المبني على الدليل و أبحاث العالم .. هذا غير إجابات لأسئلة حضرتها له و لم يتسنً لي سردها عليه .. 

🙂

المهم ما حصل بعد أن خرجنا من غرفة المريضة, أخبرته بحديثي لنفسي عندما كنت أسأل المريضة عن أعراضها و عن أسئلة جمعتها من تجاربي و إخفاقاتي الشخصية في أثناء تدربي على التاريخ المرضي ..قلت له أن دماغي يسير بطريقة معينة و يعطيني أكثر عندما أتركه يختار الطريقة , حاولت أن أتبع طريقة كتاب تالي في التاريخ المرضي و طريقة دكتور آخر و لكني وجدت نفسي أتلعثم و أنسى و المرضى لا يرتاحون فلا أخرج بكثير من المعلومات .. فهل هناك طريقة معينة يجب أن أتبعها في التاريخ المرضي؟ تسلسل معين للأسئلة؟ و غيره من الأساليب خطأ ؟ ماذا عن امتحاننا العملي  ؟ أنا لا أعرف من قد يمتحنا و هل ستكون طريقتي كطريقته أم لا .. و الإجابة كانت “لا”.. ارتحت كثيراً عندما علمت أن لكل طبيب 

Style 

معين كما قال. . طريقة تميز طريقة تفكيرك و أسلوبك في الحوار مع الآخرين تدخل عليها تعديلاتك كما يناسب جو الحديث و المريض الذي تحاوره. ستايلك له بذرة فيك .. تنميها بتجاربك و اخفاقاتك بعيداً عن تقييم الآخرين أولاً و أمامهم في المرحلة المتقدمة… تخيل أن سياج محكم بنيته حول بذرتك .. هذا السياج هو الهيكل الأساسي الذي يجب أن يكون عليه التاريخ المرضي مثل احتوائه على المعلومات التالية ..

Bio-data .. Chief complaint .. Systemic review .. Family history 

و إلى آخره..و بعد أن تنمو بذرتك لتكتمل.. ستعرف بعد ذلك أن لكل جهاز في الجسم ستايل معين للتاريخ المرضي فيه .. مثل أمراض الجهاز العصبي مهم جداً فيها التسلسل الزمني للأعراض حتى التي لا يفهم المريض أنها متصلة بالشكوى الأساسية التي جلبته إلى المستشفى.. و ستعرف أيضاً أن تسلسل أسئلة التاريخ المرضي للمرضى كبار السن قد يختلف عن طريقة إلقائك لها عند الطبيب المعالج لأن كبار السن يصرون على طريقتهم في سرد قصة الأعراض التي ليس لها نهاية لكن بتفكيرك الطبي سترتبها من الأكثر خطورة إلى الأقل بادئاً بالمرض المزمن الذي يعاني منه مع ذكر أنه “قلق جداً” بشأن العرض الفلاني رغم كونه الأقل خطورة .. 

المرونة  مع الصلابة صفة يجب أن تلازم ستايلك في فحص المرضى و محاورتهم . . مرن حول الأساسيات الصلبة التي تضمن لك أن يشتمل التاريخ المرضي على أهم المعلومات.. ستشعر بالتشتت في بداية الأمر لأنك لا تزال في مرحلة بناء السياج  و ستتساءل طريقة من مِن الدكاترة صحيحة أو تناسبك ..تقبل هذا التشوش لبعض الوقت و خذ من كل طبيب ما تراه مناسباً حتى لو كان معيارك مجرد إحساس , ستايلك سيتكون تدريجياً سرعة تكونه في يدك أقصد بعدد المرات التي تحاول فيها و بعدد المرضى الذين تأخذ منهم التاريخ المرضي .. ستلاحظ أنك بدأت تحفظ أسئلة الكحة و أضفت عليها أخرى غير موجودة في الكتاب مثلاً ثم ستجد أنك تفضل فحص المريض من أعلى إلى أسفل بدون أن تعود إلى الأعلى مرة أخرى .. ستعرف أن عرض الـ

Nausea 

 عند المرضى له أكثر من مسمى و بعضهم يخطيء استخدامه من الأساس.. هذا غير ترجمة مذاكرتك من الإنجليزية إلى العربية حيث لغة المرضى  و لهجتهم عامل مهم في جمع المعلومات.

 في الموضوع القادم سأحكي كيف تطور ستايلي بالتفصيل الممل فكونوا في الانتظار ..

^^’

5 thoughts on “Dr. Neophyte Style.

  1. Pingback: استفسـارات طلاب السنوات السريرية | مُـدوَنَــة أَطِـبَّـاءُ الـمَـجْـد

  2. Pingback: انـحـنـاءات الـقـدر  | ’Medic Of Glory

  3. Pingback: انـحـنـاءات الـقـدر  | ’Medic Of Glory

  4. Pingback: استفسـارات طلاب السنوات السريرية | ’Medic Of Glory

اكــتـب تـعـلـيـقـك أو سـؤالـك هـنـا

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.