طالب على مشارف التخرج, تحمله آماله في لحظات السكون ليرى نوراً ينبعث من مكان ليس بالبعيد لكن ذلك الوهج أثار الرعب في نفسه لأنه حجب كل رؤية وراءه, و كلما أطال النظر أصيب بالصداع و التشوش و الارتباك فيعود إلى مذاكرته على أمل العودة لاحقاً.. عاد بإصرار أكثر فخفت ذلك النور قليلاً و انفرج عالم لا يعرفه, تقدم بخطى مترددة ليستكشفه فالتقطته لفائف ذلك العالم الواسع و ركض هارباً يلتقط أنفاسه قانعاً هذه المرة أنه صغير على هذا العالم و غير مستعد فيصبح بهذا يوم التخرج اليوم الذي يريده و يخاف منه في آن معاً .
و على الضفة الآخرى طلاب آخرون , آثروا إنقاذ أنفسهم باكراً من هذه الفوضى, فكانوا مثل خيول الفروسية, لا يرون إلا ما قد خططوا أو خطط لهم غيرهم في طريق الدراسة. لبسوا غمامة الفرس ليصدوا إغراءات الطريق عنهم. فتجد الواحد منهم ليس على لسانه إلا تخصص واحد يريد أن ينافس عليه و مستشفى واحد يريد أن يعمل فيه من مراحله الأولى في الجامعة, و قد تعجب من نفاذ بصيرته التي أخذته إلى ما بعد التخرج في هذا الوقت الباكر و تغار من معرفته الكافية و حسمه الباهر الذي أعطاه كل هذه الثقة ليركز على دراسته و ينسى ذلك الهم المخيف. و لكن في الحقيقة .. غالباً ما يكون أقل زملائك علماً بما بعد التخرج.
إذن متى يجب أن أبدأ التفكير في تخصصي المستقبلي و كل تلك الأمور؟ من أين أحصل على الخبرة الكافية التي تجعلني أختار مصيري و أسلوب حياتي لما تبقى من عمري؟ هل هذه مهمتي وحدي أم أن الجامعة سترشدنا في يوم ما؟ ما أسعد حظ الذين يعرفون طبيب معرفة شخصية أو في عائلتهم طبيب لابد أنهم متخمون بمعلومات عن الحياة الواقعية بعد التخرج..
أحد أهم الأساليب التي يستخدمها الطلاب في التنافس و لإضعاف بعضهم هي أن يفاجئك بالتحدث عن اختبارات التخصص في أوقات حرجة و بحروفها الرمزية فقط ليضيف إلى لمعان سلاحه ضدك. لا أقصد هنا كونك شخص “مهزوم” أو “سيء الظن” و تفسر كل حديث يوجه إليك كهجوم و لكن ما أقصده مثلاً أن تكون في أيام ما قبل الامتحانات النهائية و وقت تفرق الجميع للاستعداد يأتي إليك زميل أو مجموعة زملاء تعرف جيداً أنهم ليسوا من النوع الذي ترتاح لنصيحته أو أول من يخطر على بالك عندما تحتاج مساعدة .. يسألك سؤالاً مبهماً و بنظرات تحدي و عجرفة: انت تحضر لليو اس ام ال اي؟ و لا الام سي سي إي إي؟ , فيرد زميله لا لا شكله ناوي على الآي إم سي.. سواء كنت تعرف معنى هذه الرموز و ما تتضمنه أم لا , هم متأكدون من أنك ستمضي أيام استعدادك للامتحانات النهائية و قد تشتت تركيزك كما أرادوا لك , تلوم نفسك على معرفتك المتواضعة عن مواضيع ما بعد التخرج و كيف أنك لم تدمج استعدادك لها مع دراستك اليومية, كيف أنك متخلف عن الركب و آخر من يعلم و إلى آخره من الكلام المحطم للذات. المضحك في الموضوع و ما أريدك أن تتأكد منه هو أن الذين يتبجحون بمعرفتهم عن هذه الأمور و يتأكدون في كل مرة أنك تعرف عن خبرتهم بدون أن تستفيد حقاً منهم هم أكثر الناس جهلاً أو شحاً بها. و الدليل هو أنك لا تخرج منهم بمعلومة تنير دربك حقاً. بل كل معلومة يرمونها في طريقك تزيد من حيرتك أكثر لأن هذا هدفهم. ما أريد أن أقوله هنا هو أنك ستواجه عقبات بعضها ظاهر مثل اقتراحات أهلك و بعضها خفي قبل أن تعرف حقاً ماذا بعد التخرج.
الجميل في كل هذا هو أنك لا تحتاج إلى أخت طبيبة و لا عم استشاري! و الأجمل أن النجاح يترك آثار و دلائل و خرائط مجانية لمن يبحث عنها. معرفتك عما بعد التخرج يجب أن تبنيها خلال السنوات الثلاث الأخيرة قبل التخرج و لا أقصد هنا اتخاذ القرار. فقط ابدأ بجمع المعلومات من مصادر اتفق على صحتها ناجحون كُثر و مصادر رسمية متعلقة بالأمر مباشرة. يمكنك أن تبدأ بمشاهدة فيديوهات قنوات يوتيوبية عربية و عالمية مهمتها توضيح هذه الأمور بكل مصداقية مثل قناة د.عبد الرحمن اللغبي , قناة سعوديون في امريكا, قناة منضومة إضاءة و ابحث عن غيرها أيضاً . هناك سلسلة فيديوهات اسمها
A Day in the Life of a (Pediatrician)
و قم بتغيير التخصص ما بين الأقواس. تابع هذا مثلاً.
قم بزيارة موضوعي عن كيف تختار تخصصك الطبي. و حمل الكتاب المرفق لتزيد من معلوماتك بشكل منظم.
أقترح عليك أن تخصص مجلد في كمبيوترك أو ملف في مكتبتك أو مذكرة في جهازك اللوحي مثلاً أو حتى دفتر عن معلومات ما بعد التخرج. و خصص أيضاً “وقت” معين تبحث فيه و تركز على بناء خبرتك بعيداً عن تشويش الامتحانات النهائية أو عند ضيق الوقت بعد التخرج و غير ذلك. كل شهر مرة أو في الصيفيات بحيث يكون لديك الوقت الكافي لتفكر و تكثر النشاطات التوجيهية عن اختيار التخصص التي قد تحضرها و تستفيد منها.
ضع حتى قائمة بالتوجهات المحتملة بناءاً على معرفتك حتى الآن و مميزات و عيوب كل تخصص أو جهة عمل أو توجه من وجه نظرك و أسلوب الحياة الذي تريده لنفسك. قم بتعديلها بكل مرونة و لا تنتقد نفسك أو تقلل من أهمية رأيك و إحساسك بالصواب و الخطأ و ما يناسبك. هذه القائمة هي التي ستنقلك إلى بر الأمان بإذن الله تعالى.
في كل دولة هناك جهة معينة هي وجهة الأطباء بعد التخرج ليتم تسجيلهم كممارسين صحيين ابحث عن موقعهم الالكتروني الرسمي و المنتدى الملحق به لتعرف الكثير.
في السعودية هي الهيئة السعودية للتخصصات الصحية إبدأ من هنـا و ثقف نفسك.
هذه الجهة بعد اختبار عام تعطي رخصة ممارسة المهنة بعد التخرج و سنة الامتياز مباشرة لأنك تعتبر في هذه الحالة ممارس عام
General Practitioner
يعني طبيب جاهز. و هذه المعلومة تثير استغراب العامة ممن لا علاقة لهم بالطب و بعض الطلاب في السنوات الأولى , حيث يعتقدون أن الطبيب العام في المستوصف القريب منهم قد أخذ تأهيل معين أو شهادة بعد التخرج خولته ليعمل في ذلك المكان! و في الحقيقة هو لا يحمل إلا شهادة الباكالريوس و ترخيص من الدولة بأن يمارس العمل كطبيب عام على مستوى الرعاية الصحية الأولية.
يأتي بعد ذلك الطبيب المقيم. أو بالانجليزية
Resident Physician
هذا أيضاً يعتبر ممارس عام و لكنه قام بالتسجيل في تخصص أدق من العام مثل طب الأطفال أو الطب الباطني أو العيون و غير ذلك. هو لا يحمل إلا شهادة الباكالريوس لكنه في “تدريب” يومي للحصول على شهادة الاختصاص في التخصص الذي اختاره. يعني أنه يذاكر و يمارس عمله في تخصصه الذي اختاره يومياً و يحضر نشاطات على مستوى المستشفى و الدولة و العالم في تخصصه أيضاً. كل نهاية سنة يقدم امتحان ينقله من مستوى في برنامج الإقامة ” التخصص” الى مستوى أعلى. يعني..
طبيب مقيم في السنة الأولى يسمى اختصاراً
R1
هذا الطبيب لم يقدم على الامتحان الأول بعد لأنه عندما يفعل و يتجاوزه يسمى
R2
و بعد ذلك
R3- R4
إلى آخره على حسب عدد سنوات الاختصاص التي غالباً لا تتجاوز خمس أو ست سنوات. بعد أن يحصل على شهادة البورد
Board Certificate
يعني شهادة الاختصاص هذه الشهادة تفيد بأنه الآن أخصائي في طب الأطفال مثلاً.
Pediatric Specialist
تكون له عيادته الخاصة و ما إلى ذلك. ثم الاستشاري قد يكون مسمى وظيفي أو فعلاً لديه زمالة تخصص دقيق في مجال تخصصه الأساسي . مثل أن يكون استشاري طب الأطفال و الجهاز الهضمي للأطفال.
كيف أعرف التخصصات الموجودة ؟ عشرات التخصصات و أكثر أساسية و فرعية في العالم. إبدأ ببلدك ثم وسع الدائرة لتشمل دول أخرى إذا كان الابتعاث أمر وارد أو غير وارد حتى فقد يقدر الله أمراً لا تعلمه.
هنا قائمة التخصصات في المملكة العربية السعودية. أي أن فيها مراكز تقوم بتدريب الأطباء للحصول على شهادة الاختصاص فيها. الجدير بالذكر أن عدم وجود تخصص معين في السعودية مثلاً لا يعني أن مستشفياتها لا تحتاجه أو لا يوجد ممارسين لهذا التخصص فيها بل على العكس ندرة الشيء تزيد من قيمته و احتياج الناس إليه. القائمة هذه فيها تخصصات لطب الأسنان و الطب العام تعرف الفرق بأن تقرأ شروط التقديم على التخصص.
هل طريق برامج الإقامة هو المصير الوحيد لخريجي كلية الطب؟
طبعاً لا.. و لكن هذا الشائع و الذي يثير الكثير من التساؤلات .. هناك مجالات أخرى و وظائف متعددة بعضها لا يمت بصلة للمستشفيات حتى. تحدثت عن بعضها في موضوع لا أرى نفسي طبيباً لا يعني اختيار هذا أو ذلك موضعك في سلم الشرف و لكن اختيار شخصي و أسلوب حياة و نظام إيمان قبل كل شيء.
ما دور الجامعة إذن ؟
بعض الجامعات تقدم لطلاب السنتين الأخيرتين ما يسمى البرنامج التوجيهي لما بعد التخرج
Postgraduate orientation program
Carrier day أو يوم المهنة
شخصياً حضرتها مرات عديدة قبل و بعد التخرج و من خبرة لا يستهان بها أقول:
بساطة الإجابات التي تبحث عنها كطالب خريج أو حتى على مشارف التخرج تحجبها “رسمية” مثل هذه النشاطات. فالجميع هناك يتحدثون بما يسمى في اللغة الأكاديمية:
Hedging
أو لغة الحذر ! يعني لا يعمم و لا يخصص و لا يتحدث عن تجربته الشخصية إلا من باب العرض و ليس النصيحة الأخوية أو حتى الأبوية! لأنه سيجد من يختلف معه في رأيه و لا أحد يريد أن يظهر بمظهر سيء. قد ينتهي بك الأمر لحضور عرض مسرحي لاستشاريين كلٌ يمدح تخصصه و يذم تخصصات الآخرين أو يبدي مميزات الجهة الراعية لبرنامجه و يخفي بحرفية عيوبها التي قد تكون مصيرية. مباراة شد حبل بينهم مع ضيق الوقت لعرض كل شيء. و قد يتكلم آخرون بشكل مقنع عن سوق العمل و ما تحتاجه الدولة من تخصصات ملغياً كل أهمية لأهدافك الشخصية و دورك في العالم. أعتقد أن منبع كل هذا من طبيعة العرب الانتقادية . قد تخرج من هذه النشاطات بأسئلة أكثر و أوراق كثيرة تزيد من حيرتك أين أذهب!
هي مفيدة نوعاً ما و لكن لا تعتمد عليها كلياً. لأن الإجابات التي تبحث عنها أنت تملكها مسبقاً بالذات فيما يتعلق بالتخصص الذي تريد بعيداً عن كيف ستمارسه في سوق العمل ذاك! أقصد هنا الشيء الداخلي الذي لا أحد يملك حق التجول فيه إلا أنت. قد تكون تحب علم الأمراض مثلاً. حسناً هذا يكفي, لا ترهق تفكيرك الآن بأن سوق العمل لا يحتاجك! و تغير توجهك تماماً! كل مجال في الطب له أكثر من طريقة لممارسته و كسب العيش منه! قد تكون أكاديمياً في علم الأمراض تدرس الطلاب في الجامعات. أو أخصائياً إكلينيكياً فيه تعمل في معامل المستشفى و تشخص الأمراض. و قد تختار أن تعمل في الجهتين معاً. أو أنك تميل إلى التفكير التحليلي الجنائي.. هذا لا يعني أن تترك علم الأمراض و تتجه كلياً إلى الطب الشرعي لأن هناك ما يسمى
Forensic Pathology
إن لم يوجد هذا التخصص في دولتك ففي دول أخرى ستحصل على تدريبك و تعود لتمارسه في بلدك .. ستنبهر من وفرة و تشعب العلوم الطبية و عليك أن تؤمن قبل كل شيء أن العالم لم يكتفي و لن يكتفي من أطباء و علماء في شتى المجالات. فقط كل ما تحتاجه لتحصل على ما تريده و ما قدر لك فعلاً هو أن توسع نظرتك و تقيم كل شيء قبل أن تصده. لا تضيق على نفسك بالنظر عبر ثقب فقد لا ترى الأشياء الجميلة التي تنتظر سنتمترات عن بؤبؤك!
ملاحظة: كما في كل موضوع, الكلمات الملونة هي روابط مباشرة تفضل بالضغط عليها
🙂
السلام عليكم
عندي سؤال اذا سمحتي
بالنسبة للفرص بعد التخرج
هل ممكن أكون معيدة في تخصص إكلينيكي وليس أكاديمي؟
دائماً اشوف إعلانات الجامعات عن توفر فص معيدات بس التخصصات المعلن عنها تكون تخصصات إكلينيكية
والي انا اعرفه ان الإعادة تكون للعلوم الاساسية!
ولا اعرف اذا هذي الفرص تكون لخريجين البكالوريوس او لا ؟
وهل ممكن اقدم ع برامج اعادة ف جامعة غير جامعتي ؟ او لازم نفس الجامعة الي تخرجت منها
LikeLike
Pingback: خطوات اختيار التخصص الطبي المثالي | مُـدوَنَــة أَطِـبَّـاءُ الـمَـجْـد
Pingback: رهـبـة الـبـدايـات | ’Medic Of Glory
Pingback: التحضير لامتحانات الرخصة الطبية- استفسارات | ’Medic Of Glory
هُنا وجدتُ ضالتي 👆☺
أسأل الله أن يجعلك
☁☔كالغيث أينما حلّ نَفَع
LikeLike
الحمد لله أني استطعت بعونه تعالى أن أنير طريق أحدهم .. 💜 شكراًعلى تعليقك اللطيف.
LikeLike
Pingback: استـفـسـارات الـسـيـرة الـذاتــيــة | ’Medic Of Glory
Pingback: استفسارات التخصص المناسب | ’Medic Of Glory