أَحِـبـِيـنِي بـِلا عُـقَـد +18 !

christmas-nativity-10

b1884-basmala-svg

في إحدى محاولاتي لإصلاح علاقتي المشوهة مع فترة الظهرية , تظاهرت أني مستمتعة و احتميت من حّر الشمس بكتابي الجديد .. لكني قرأت مقطعاً ارتفعت حرارة الأجواء معه أكثر! أثار قصص كثيرة حسبتها انطوت في لفائف النسيان. لكنها عادت تجر بعضها البعض و كلما زاد عددها زاد معها وضوح التفاصيل و إنغراس الألم.. الألم الذي أحمله لولئك الأطفال الذين ولودوا يتامى..  و اليَتم يَتم الأم لا الأب ! 

أترككم مع المقطع .. 

 

moom

 

 أمَّــاهُ من أنتِ ؟ 

في مستشفى الولادة , و أول أسبوع لي كطبيبة امتياز . لازلت أحمل صور المجتمع عن باقات الورود حول أسِرّة الأمهـات و رائحة الحلوى و كرم القهوة في كل مكان, و ابتسامات الآباء و رضى الأمهات و الجدات.. دخلتُ إلى مريضتي الجديدة التي أُدخلت عن طريق الطوارئ لعملية قيصرية مستعجلة بعد أن فقدت وعيها تلك الطفلة! فتحتُ الستارة أبحث عن الورود التي اختفت من الصورة العقلية التي صممتها مسبقاً.. و اختفت معها الابتسامات أيضاً.. حتى المولودة الجديدة لا تبكي فرحاً بخروجها إلى الدنيا كعادة من في عمرها! مع أني كنت لا أعرف سبب ذلك الحزن الذي بدى على الأم و الجدة لكني حاولت مباشرة أن ألطف الأجواء قبل البدء بالفحص السريري و التاريخ المرضي .. سلمت عليهم و دعوت لهم ثم استأذنت لأرى المولودة , سبحان الذي خلقها ما أجملها , تشبه أمها كثيراً. قاطعت دعائي لها جدتها التي انهمرت دموعها صارخة لا! لا يا دكتورة الله ياخذها و ياخذ اللي جابها ما يخاف الله! نظرتُ إلى مريضتي أريد ردة فعل منها على كلام الجدة الساخطة لكني فوجئت بتبلد شديد و نظرة لا تحمل شيئاً. الطفلة الأم تنظر إلى الأمام و كأنها غائبة عن الوعي. قلت في نفسي حسناً لن أسأل عن شيء. جمعت المعلومات الطبية سريعاً و خرجت أستعد لجولة المرور على المرضى مع الفريق كاملاً. عندما جاء دور تلك المريضة طلب الاستشاري قائد الفريق زوج الفتاة لتوقيع بعض الأوراق فانهمرت دموع الجدة ووقفت تساند نفسها بكل غضب بعد أن ألقت بنظرة اشمئزاز إلى حفيدتها تقول يا دكتور ليس لها زوج! ليس لها أب! من أين آتيك به؟ ابنتي جار عليها ثعبان في منزلنا لعنة الله عليه دنيا و أخرى! و بدون أن نشعر كنا جميعاً ننظر إلى أقدامنا و قد تراجعنا إلى الوراء في صمت. يا إلهي! تلك الجميلة بكماء و من ذوي الاحتياجات الخاصة لكن من النوع الذي لا يظهر على شكلها, كانت تُنتهك و تُغتصب لسنين طويلة كما تبين الفحص الشرعي فيما بعد! و أول ما تفتحت وردتها حملت ! و حتى أنهي ذلك الصمت المريب قلت للاستشاري أن صوت أمعائها مختفي رغم مرور أكثر من 12 ساعة على عمليتها و قد يكون مؤشر خطير لمريضة مثلها. طلبت استشارة الجراحة العامة و كانت الطامة.. تجويف بطنها مليئ بالصديد و الإفرازات التي شلت حركة أمعائها. عدوى خطيرة من ذلك الحقير و أذيته. استأذنت لأحضر عمليتها مع قسم الجراحة العامة. راعني منظرها و أحشاؤها بارزة من فتحة كبيرة شقتها أيدي الجراحين في ذلك الجسد النحيل و عدد خراطيم الشفط من و إلى بطنها. و الجراح يمسك بأمعائها طرف في كل يد يعصرها كما يفعل بياع القماش عندما يقيس الأمتار! كم من الألم تحملته تلك الفتاة المسكينة من أم لم تستطع حمايتها و كم من ألم ستتجرعه ابنتها المولودة الجديدة اليتيمة مسبقاً !

 

 ولادة الموت 

في يوم دراسي شتوي , خرجت من قاعة المحاضرة أمشي إلى مبنى الولادة و أضحك على من حرم نفسه من نقاء المطر و احتمى تحت مظلة! 

قررت ذلك اليوم أن أخوض مغامرة فريدة من نوعها و إلا فسأستمر في البحث , أريد سبباً قوياً يجعلني أذاكر تلك المادة بشغف.

تسللت إلى قسم التوليد في غفلة من الحارسة التي كنت أعرف أنها تمنع الطالبات من الدخول بغير وجه حق! لبست معطفي و تأكدت من أني أصبحت أشبه الطبيبات في ذلك المبنى, مشيت بسرعة كأني أعرف المكان من سنين , و نظرت إليها كأني متعودة على رؤيتها كل اليوم , فتحت الباب بدون تردد و دخلت .. ضحكتُ كثيراً و تذكرت خشبة المسرح التي لعبت فيها أدواراً كثيرة! إلا دور المنتج لأني كنت مفلسة أيام المدرسة هههههه

^^’

توجهت مباشرة إلى غرفة التوليد , لبست زي القابلات و بدأت المشاهد الدموية , كنَّ أكثر من عشر نساء مستلقيات و الدماء تغطيهن, مع قطع أحشائهن في أوعية معدنية و أغطية “كانت” بيضاء ! في تلك اللحظة تذكرت أبي الحبيب.. و مشوار المسلخ عندما كنت طفلة في السابعة من عمري أخيراً استفدت منه! و سأخلصه من عتاب أمي ههههههههه 

XD

لفتت نظري امرأة تصرخ “حزناً” و ليس ألماً فقط ..كانت حزينة و نحيبها تَعب. و القابلة كانت مرتبكة جداً تسقط الأدوات من يدها و تتلفت كثيراً ذهبت إليها مباشرة و قلت لها ماذا تحتاجين؟ سأساعدك إذا لم يكن لديك مانع. قالت راقبي الرأس إذا خرج فدعيها تكف عن الدفع و أنا سأذهب لآتي بجهاز الأشعة الصوتية, يبدو أن جنينها عَلِق بين عظام حوضها ! قلت لها لكن لماذا لا أرى حزام مراقبة نبض الجنين على بطنها؟ سيموت قبل أن يولد! قالت لي بالانجليزية.. هو ميت أصلاً و أمه تعلم ألا ترين بكائها!!

لم تكن تعلم تلك القابلة أنني طالبة  و هذه أول ولادة أحضرها! تناولت القفاز و قلت يا رب ! أتت بجهاز الأشعة و الحمد لله الجنين في طريقه الطبيعي لم يعلق. خرج بسرعة , سبحان من يسر لها. أخذته القابلة بسرعة بدون أن تضعه على صدر أمه كالأطفال الأحياء عادة لتتكون تلك الرابطة كما حكى مقطع الكتاب. صرخت أمه ولدي ولدي أريد أن أراه .. قبَّلته و ضمته فوق كل تلك السوائل و الدماء و شكله المخيف لأنه ميت منذ يومين ! لا إله إلا الله . يا لقلوب بعض الأمهات ما أكبرها و أحنها . . لم تحرمه من لحظة اللقاء و حضنها الدافئ حتى في غياب الحياة . وجدت فيما بعد فريق قابلات و أصبحت صديقة أستاذتهم الأجنبية و لم يذهب ذلك اليوم سدى, تعلمت منها الكثير و ضحكنا كثيراً أيضاً ساعدتها في ولادتين و تغيبت عن محاضراتي. خرجت أدندن مغامرات عصاااام كثيرة كثيرة كثيييرة يطول عنها كلااااام شيقة جداً و مثيرة 

😈

 

مسلسل القاصرات

في يوم نهاية الأسبوع , غبت عن قسم الولادة و رغبت في أن يكون اليوم هادئ.. ذهبت إلى العيادة , فدخل رجل عجوز سبعيني يلبس لباساً غريباً من قرية بعيدة عن المدينة لم يترك فيَّ  شبر إلا و تفحصه بنظراته , و طفلةٌ تحمل رضيعاً ! يميل برقعها  فترفعه و تنخلس عباءتها فترفعها واضحٌ جداً أن الحجاب أمر جديد عليها.. كانت في الثانية عشرة, متزوجة أنجبت رضيعها قبل شهر تماماً , لا تشكو من شيء , لكن أتى بها ذلك الرجل لموضوع يهمه لوحده. و عندما سألتها أين زوجك؟ يجب أن يوقع على بعض الأوراق ..أشارت إليه بطرف سبابتها! كنت طوال الوقت أحسبه والدها أو جدها..  لكنها زوجته الرابعة في عمر أصغر أحفاده. حاولت ألا أحكم عليهم فالله وحده يعلم بظروفهم و قصتهم. كان ذلك العجوز يجيب عن كل أسئلة الطبيب بلهجة لم أفهمها كثيراً عن أخص خصوصيات زوجته, عن ألم بطنها عندما ترضع طفلها و عن إفرازات رحمها حتى انتهى صبري فقلت له يا والد , هل أخبرتك بألم بطنها؟ أو شكل دماء حيضها؟ قال لا. فقلت له إذن اتركها تجيب و سنسألك عما تعرف. نظر إلي الطبيب يبتسم متفاجئاً و شاكراً. علمت بعد ذلك أن هذا الرجل العجوز متغطرس و له مواقف غير جميلة مع الأطباء في المستشفى!

استطرد الطبيب يشرح لتلك المسكينة عن فوائد الرضاعة الطبيعية و كيف أنها تعمل على منع الحمل طبيعياً و أهميتها بالنسبة لصحة الطفل ..الخ. لكني لاحظت حنق زوجها المتزايد الذي فهم أخيراً أن الرضاعة الطبيعية تمنع الحمل! صاح بصوته المزعج قائلاً اسمعي ! من اليوم توقفين رضاعة! إنها سبب عدم حملك حتى الآن! صح يا دكتور؟  تجهم الطبيب و تلعثم و شُلت كلماته ! رحت أحدث نفسي .. هذا سبب مجيء الرجل العجوز بزوجته إلى العيادة! يا إلهي! هل تزوج قطة أم دجاجة تبيض أسبوعياً؟ و قبل أن يصبح صمتنا غريباً حاولت أن أخاطب زوجها بعقليته. ذكرت له آية الرضاعة و كيف أن الحمل المتكرر سينهك جسد تلك الطفلة لكنه غضب أكثر! قلت لنفسي لربما كان عقيماً فيما مضى أو مريضاً و فرج الله عنه في القليل المتبقي من عمره .. فسألته هل هو ولدك الوحيد؟ قال بكثير من الفخر بل التاسع و العشرون يا دكتورة .. أنتِ دكتورة صح؟؟  قلت له نعم .. و ما شاء الله تبارك الله إذن ارحم هذه الطفلة و سيبارك الله في عمرك لترى منها ما يسرك من الأولاد و البنات لكن الحمل المتكرر قد يؤذيها و لن تحمل مجدداً أبداً ! .. تكلمت أخيراً زوجته الضعيفة و قالت دكتور لا أريد أن أحمل مرة ثانية بسرعة. تعبت كثيراً في هذا الحمل..  فرح الطبيب كثيراً بتفاعل مريضته أخيراً .. قال لها سأصف لك حبوب تنظم حملك إذا جعلك تتوقفين عن الرضاعة بإذن الله لن تحملي حتى يستعيد جسدك عافيته. قاطعه زوجها سائلاً.. يعني لا يوجد حبوب تأتي بالحمل؟؟ أنا جئت لهذا السبب , قال له الطبيب لا ..و بدون سابق إنذار أمسكها من ذراعها و خرج من العيادة فوراً ! عمَّ صمت قصير في العيادة ثم انفجرنا نضحك! و شر البلية ما يضحك!

 

{و إذا الموؤدة سُئلت}

في يوم صحو و جميل وصلت إلى المستشفى أبكر من العادة, فدخلت قسم التوليد مباشرة لأخوض مغامرة قبل عمل قسم التنويم الممل. وصلت على صراخ امرأة في المخاض فتحمست و استأذنت القابلة في أن أستلم عملية توليدها كان تاريخها المرضي مطمئن و لديها ثلاثة أولاد و لا شيء خطير و هي الآن في آخر دقائق المخاض. يسر الله خروج طفلتها فاستلمتها القابلة لتنظف مجاري التنفس حتى تبكي و نطمئن عليها. لكن مشيمة الأم علقت. و خرج بعضها ممزقاً أسرعت القابلة تلملم و تنظف لتنتهي من المريضة لكن حدسي أخبرني أن هناك مشكلة ما. خطفتُ المشيمة من يد القابلة قبل أن ترميها و في إناء الجراحة تفحصتها و قمت بعد أجزائها ثم فحصت المريضة و  شعرت ببقايا المشيمة في جدار رحمها و شلال الدماء الدافئ الذي غطى ذراعيّ! فزعت القابلة و أسرعت تقوم بإجراء

Manual removal of retained  placenta 

تناوبنا على عمل هذا الإجراء حتى انتهينا و توقف النزيف و انقبض الرحم. كل هذا الوقت و لم تنظر الأم إلى مولودتها مرة واحدة! كانت تستلقي بجانبها في الحضّانة. لم تقبل بأن نضعها على صدرها أول خروجها. الأم مستاءة و ليس استياء التعب أو جهد الولادة! قمتُ و القابلات نتسابق على عرض أسماءنا على الأم لتختار أحدها لابنتها الجديدة لكن الأم قالت بكل غضب سموها أنتم! اختاروا لها أي اسم لا يهمني! تلفت القابلات ثم خرجن و بقينا أنا و هي. فسألتها كنتي تنتظرين ولد؟ قالت بل كنت أعلم طوال الوقت أنها بنت و كم تمنيت أن تخرج ميتة لكن ماذا  سأقول لوالدها الآن! قلت لها لديك ثلاثة أولاد ما شاء الله تبارك الله ألم يشتاق قلبك لأميرة تشبهك و تحبينها و تملأ حياتك أكثر من أولادك الذكور.. علاقة الأم مع ابنتها مختلفة. قالت لا أعوذ بالله ماذا سيقول عني زوجي الآن! أنني أحمل بنات! و لكم أن تتنبؤوا بمستقبل هذه الطفلة. هذه الشعارات الغبية الجاهلية لا يغذيها الذكور كما كنا نعتقد بل “أمهات” جيل بعد جيل. كيف يمكنها أن تقول هكذا عن البنات و هي نفسها أنثى و أمها أنثى و جدتها كذلك! نظرت إليها مباشرة و قلت لها احمدي الله و اشكريه على نعمة الإنجاب أولاً ثم على نعمة حسن و كمال خلقتها. لا تحن عليك و على زوجك إلا ابنتك. خرجت أحمل أسفي على تلك الطفلة و غيضي أيضاً ! لكن لله حكمة حتى في وجود هذه العقليات. نحمد الله على الهداية.

5 thoughts on “أَحِـبـِيـنِي بـِلا عُـقَـد +18 !

    • أتــفـق معك. حزنت كثيراً بعد أن كتبته حتى أني أوشكت على البكاء. سأكتب مقالاً فكاهياً في مجلة سايلنت في الأيام القليلة القادمة أتمنى أن تكون بالقرب 🙂

      Like

  1. أنا طالبة طب في السنة الرابعة، معجبة جدًا مغامراتك و حكواتك ….
    أود أن أخوض تجارب مماثلة لكن أشياء كثيرة تكبلني ، الخجل هو إحداها …
    أترقب جديدك بشوق

    Like

  2. من أجمل المواضيع، حقيقة واجهنا الكثير مثل هذه الحالات،

    مسلسل القاصرات قضية مجتمع ، لك أن تتخيل حال الأنثى الضعيفة حين تولد هناك، هي في نظر الرجال مجرد أداة تكاثر وآلة شغل لا يوجد لها حق في التعليم الذي ينير بصيرتها.

    وإذا الموؤودة سُئلت :
    الأم هي نفس الأنثى الصغيرة التي ذكرتها في الأعلى ولكنها كبرت وتربت على تلك المعتقدات الجاهلية وتغيب عقلها بالكامل من المطالبة بأبسط حقوقها، ففي معتقدها أن الأنثى عار على زوجها وعلى العائلة، جاهلية بحتة، تظن أنها ستجلب الفضيحة،
    ، عجبا لحالهم، الأنثى والذكر مكملان لبعضهما، في نفس المرتبة، وأي ذكر ظن بأن الأنثى أداة تكاثر وشغل هو حقا معتوه، الأنثى في صغرها أن احسن تربيتها كانت له ضمان في دخول الجنة، وعندما تكبر وتتزوج كان له أجر الصدقة عليها، وعندما تصبح أما تكون الجنة تحت قدميها، ِعجبا لحالها، هي لك و هو لك

    Liked by 1 person

    • شكراً جزيلاً لك.
      جميل أن نجد من يمقت التفكير الجاهلي هذا بين الأطباء. و الأجمل أن تساعد في محوه عندما تواجه من يتبناه أثناء عملك و يكون لك رد فعل لأن الشر يعم عندما يقف الخير مكتوف الأيدي.
      أتمنى لك التوفيق.

      Like

اكــتـب تـعـلـيـقـك أو سـؤالـك هـنـا

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.