عندما ينحرف طريقه المتجه نحو الأمام إلى دهليز لا يخرج منه إلا بعد أن يفني سنين عمره الغالية, أيام تفتح زهوره و إنتاج ثرواته.
يبدأ ذلك الإنحدار عندما يفقد إحساسه بالهدف بعيد المدى في حياته , عندما لا يرى شيئاً بعد الخروج من بوابة الجامعة , عندما يستسلم أهله ينتظرون أن يرجع إلى رشده و لكنهم يقررون قرار سيء بنية جيدة أن يستمروا في تمويله , يضخمون من تبعيته لهم و إتكاله المطلق عليهم.
وقفت شخصياً على قصة مشابهة , شخص ارتبط في عقلي بالحرم الجامعي , أكاد لا أعرف عنه ميزة غير كونه طالب في الجامعة منذ وقت طويل , كنت طفلة أسعد برجوعه في الإجازة ثم كبرت و دخلت الجامعة بدوري فتساءلت .. هل أكمل الماجستير و الدكتوراة .. ما شاء الله !
لكني اكتشفت أنه كـان في سنته الثامنة في الباكالريوس , في تخصص يتخرجون منه الطلاب في أربع سنوات و أقل أحياناً .. تعثر عند السنة التحضيرية , فقـام بحذف مواد في كل مستوى ينتقل إليه لأن العبء الدراسي كان لا يناسب همته الفاترة! و بعض المماطلة قد تساعده. تلك المواد كان يحملها معه إلى المستوى الذي يليه و يستمتع بإجازته كلها بعيداً عن ذلك الهم, و بعيداً عن زملائه في الترم الصيفي . . فالترم الصيفي يفقد شيئاً كبيراً من بهجة التواجد بالجامعة مع مئات الطلاب الآخرين و المواقف الممتعة و الأنشطة التي لا تتضمن الجلوس في قاعات الدراسة ..ثم إن الجامعة لن تهرب السنة القادمة قريبة و قادمة بأي حال !
عندما طفح الكيل بأهله أخيراً , قطعوا عنه البيضات الذهبية التي تعبوا في تجميعها و لا يستثمرها في نفسه, قصوا ذلك الحبل العريض الذي يربطه بهم و يمنعه من أن يكتشف جوانب قوته و يبحث عن هدف له في الحياة ..
و فعلاً , بحث عن عمل بعد دوام الجامعة , كان يتحمل نفقات أكله و شربه و سكنه بالإضافة إلى نفقات الجامعة التي أصبحت عبئاً عليه كان من المفترض أن يتخلص منه مبكراً . في غضون سنة و نصف نجح في كل المواد التي كان يحملها و وظف أيام صيفيته في قاعات الجامعة الموحشة , تخرج و التحق بشركة أحلامه و عندما انتبه إلى أبناء زميله الذي كان يجلس بجانبه في السنة التحضيرية ,و أن سنة الأربعين لم يتبقَ دونها الكثير, أكمل نصف دينه مع فتاة ناجحة ستحتفل معه بمستقبل أبنائه و مستقبله.
تذكرني هذه المتلازمة بـ”راديه” , بطل قصة فيلم هندي قديم , في دقائقه الأولى مشهد يثور فيه أخاه الكبير الذي ظل يعيله لسنوات على مائدة الإفطار في صباح سنة دراسية جديدة طالباً منه أن يأكل أكثر و يستمتع بالطعام المجاني بكثير من التهكم و الغضب على حاله المؤسف.
و فعلاً , يستجمع راديه قوته لينظر إلى ما بعد الجامعة .. فتاة جميلة يبني معها حياة سعيدة و عمل يساند به نفسه و عائلته.
أول أعراض متلازمة الطالب الأبدي هي المماطلة . لسان حاله يقول لو كان لدي وقت أطول لكان مستواي أفضل . أرجوك يا دكتور أجِّل الامتحان يوم واحد على الأقل . قررت أن أحذف مادة الثقافة الإسلامية المستوى القادم لأتفرغ لمذاكرة علم الأدوية الصعب.
المذاكرة في آخر دقائق الامتحان بكل قوة , يديه تكاد تكون قطعة واحدة مع أوراق الملخصات لا ينفك عنها يتمنى أن تطول تلك الدقائق للأبد. يعتمد على ذاكرته القصيرة و يدعي أنها الوحيدة التي يملكها و يعرف كيف يجني منها بيضاً ذهبياً في نتائج الامتحانات. الذاكرة طويلة المدى بالنسبة له مجرد هراء و حلم بعيد المنال لا يظن أن أحد سيتذكر كلمة مما درسه في الكلية بعد التخرج.
إذا كانت تنطبق عليك المواصفات أو رأيت أحد قصته مشابهة , فأتمنـى ألا تتردد في المساعدة . ساعد نفسك على الاستيقاظ من حلم الجامعة الفاتن , لا تنتظر من أحد أن يوقظك بضربة قد توجعك طويلاً . لأنه ليس كل من يستيقظ من ذلك الحلم يرجع إلى طريق الصواب , فقد يكون حلم الجامعة أفضل ما سيحصل له في حياته القادمة و تكون النهاية محزنة كما انتهى الفيلم الهندي !